واشنطن - حذر الخبير بمجلس العلاقات الخارجية الأميركي ماكس بوت من مساعي إيران "لبننة" العراق، حيث تسعى للسماح لحكومة موالية للغرب بالحكم نظريا في حين تكون السلطة الحقيقية في أيدي ميليشيات مدعومة من إيران.وأكد بوت أن النفوذ والقوة في لبنان حزب الله المدعوم من قبل طهران وفي العراق هي ميليشيات مثل كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق التي تدين بالولاء لإيران.وتعهد العديد من المشرعين العراقيين بطرد القوات الأميركية من بلادهم بعد أن تسببت غارة جوية أميركية بالقرب من مطار بغداد في الثالث من يناير/كانون الثاني الماضي في مقتل قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس القيادي بقوات الحشد الشعبي العراقية وهي فصائل شيعية مسلحة مدعومة من إيران.وأعلنت الفصائل العراقية الموالية لإيران أنها وافقت على التوقف عن مهاجمة السفارة الاميركية في بغداد شرط أن تعلن واشنطن إنسحاب قواتها بحلول نهاية العام الجاري، الأمر الذي اعتبرته بغداد غير ممكن.ولم يحدث انسحاب قوات الأميركية بالكامل، إلا أن إدارة الرئيس دونالد ترامب قد تكون في منتصف عملية إجلاء نفسها، وقد وعدت بسحب آخر جندي نهاية العام الجاري.وكانت الولايات المتحدة قد أعلنت مؤخرا عن خطط لخفض عدد القوات الأميركية في العراق من 5200 جندي إلى 3000 جندي، إلا أن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو هدد في أواخر سبتمبر/أيلول، بإغلاق السفارة الأميركية في بغداد إذا استمرت الهجمات التي تشنها قوات تعمل بالوكالة لحساب إيران على أهداف أميركية.ومنذ ذلك الحين يبدو أن الهجمات الصاروخية على السفارة الأميركية والمنشآت العسكرية الأمريكية في العراق قد توقفت، إلا أن الهجمات بعبوات ناسفة على القوافل التي يديرها العراق والتي تزود القوات الدبلوماسية والعسكرية الأميركية بالإمدادات استمرت.ويقول بوت في تقرير نشره مجلس العلاقات الخارجية، إن خفض التصعيد هذا ربما يرجع إلى رغبة إيران في تجنب أزمة قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية، قد تساعد في إعادة انتخاب ترامب، مضيفا أن الميليشيات عرضت تعليق الهجمات الصاروخية على القوات الأميركية إذا قدمت الحكومة العراقية جدولا زمنيا لانسحاب تلك القوات.وقد يكون من المنطقي بالنسبة للولايات المتحدة تقليص بعثتها الدبلوماسية في بغداد، حيث أنها تعد الأكبر في العالم، لكن إلا أن سحب كل قواتها أو دبلوماسييها من العراق، سيكون عملا متهورا.وسيتسبب ذلك في الواقع بمنح إيران ما تريده بالضبط. وطالما ظلت القوات الأميركية في العراق، ستتمكن من مواجهة النفوذ الإيراني، الذي لا يزال كبيرا وغير منقوص على الرغم من كل العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب على طهران.وكان أهم عمل للكشف عن نفوذ الميليشيات الإيرانية هو ما قام به هشام الهاشمي، الباحث العراقي الذي عمل مستشارا للحكومة العراقية وقاتل في وقت من الأوقات كمتمرد ضد القوات الأمريكية.ووجد الهاشمي أن "استيلاء الميليشيات التدريجي على الدولة، على أساس إعادة الإعمار والمصالحة بعد حرب أهلية، هو حرب طائفية في جزء منه واحتلال وجريمة منظمة في جزء آخر، لكنه في الواقع يعني الهيمنة الإيرانية كلية".وأوضح أن الميليشيات "تمكنت من انتزاع سيطرة واسعة النطاق على جزء كبير من الاقتصاد العراقي؛ من جمارك المطارات ومشاريع البناء وحقول النفط والصرف الصحي والمياه والطرق السريعة والكليات والممتلكات العامة والخاصة والمواقع السياحية والقصور الرئاسية، فضلا عن ابتزاز المطاعم والمقاهي وشاحنات البضائع والصيادين والمزارعين والعائلات النازحة ".إلا أن الهاشمي دفع حياته ثمنا لأبحاثه، حيث اغتاله مسلحون يوم 6 يوليو/تموز خارج منزله في بغداد، فيما ينظر إليه على نطاق واسع على أنه عملية نفذتها قوات الحشد الشعبي.وقد نقل صديقه المحلل الأمني السوري الأميركي حسن حسن، الذي تحدث إلى الهاشمي قبل ساعتين من وفاته، هذه النتائج السابقة التي توصل إليها الهاشمي.منذ أن تم القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية في العراق إلى حد كبير في عام 2017، كان رؤساء الوزراء العراقيون يحاولون دون نجاح يذكر، تقليص قوة الحشد الشعبي الذي كان سبب وجودها هو محاربة الجماعات السنية.ومع وصول مصطفى الكاظمي وهو رئيس سابق للاستخبارات العراقية وصل إلى منصب رئيس الوزراء في مايو/أيار بعد احتجاجات شعبية على الفساد والبطالة بدا نهج تقليص نفوذ الحشد الشعبي أكثر وضوحا.وفي أواخر يونيو/حزيران الماضي، أمر الكاظمي باعتقال أربعة عشر من أعضاء كتائب حزب الله العراقي. ولكن تم إطلاق سراح معظمهم بعد أن دخل مسلحون في شاحنات صغيرة إلى المنطقة الخضراء في بغداد حيث مقر الحكومة وطالبوا بالإفراج عنهم. ثم تم تصويرهم في وقت لاحق وهم يحرقون الأعلام الأميركية ويدوسون على صور الكاظمي.ويتعين على الولايات المتحدة أن تستمر في دعم الكاظمي الذي يعتبر أكثر رئيس وزراء موال للغرب في العراق منذ سقوط صدام حسين، وهو أفضل رهان ليس فقط لكبح جماح وكلاء إيران، ولمنع أيضا عودة ظهور داعش الذي يتردد أن لديه عشرة آلاف مقاتل في العراق وسورية واحتياطيات مالية لا تقل عن 100 مليون دولار.وهذان الهدفان مرتبطان ارتباطا وثيقا، فكلما زادت سيطرة الميليشيات المدعومة من إيران على الدولة العراقية، زاد لجوء السنة العراقيين إلى الجماعات المتطرفة مثل تنظيم الدولة الإسلامية من أجل الحماية. وفي المقابل، كلما بدت الدولة العراقية غير طائفية، زاد احتمال رفض السنة لمداهنات تنظيم الدولة الإسلامية.ولتحقيق هذا الهدف يجب على الولايات المتحدة أن تستمر في الضغط من أجل دولة غير طائفية من خلال المساعدة في تدريب قوات الأمن العراقية والمساعدة في تقديم المشورة للقادة العراقيين وتقديم المساعدة الحاسمة في مجالات مثل الاستخبارات والخدمات اللوجستية.ولا يمكن القيام بذلك إلا إذا حافظت الولايات المتحدة على وجود كبير على الأرض- ثلاثة آلاف جندي كحد أدنى- على الرغم من مخاطر الهجمات المدعومة من إيران.
مشاركة :