'انقلاب' المشهد السياسي في العراق يرتد إرباكا في إيران

  • 1/11/2022
  • 00:00
  • 13
  • 0
  • 0
news-picture

بغداد/طهران - ارتد الانقلاب في المشهد السياسي العراقي بعد هزيمة مدوية للأحزاب الشيعية الموالية لإيران وتحديدا تلك التي انضوت ضمن ما يسمى "الإطار التنسيقي"، اضطرابا في إيران على وقع شعور بأن الأذرع الإيرانية أو يد الحرس الثوري الطولى في العراق، أصبحت ضعيفة ومكشوفة وغير قادرة على تنفيذ أجندته. ووصلت تداعيات الانقلاب في المشهد السياسي العراقي إلى العمق الإيراني، ما دفع دوائر صناعة القرار في إيران لسحب ملف العراق برمته من الحرس الثوري وإسناده وزارة الاستخبارات والأمن الوطني (اطلاعات)، وفق تقرير نشرته وكالة شفق نيوز العراقية الكردية استنادا لمعلومات نقلتها عن مصادر قالت إنها مطلعة. ومع أن القرار يعتبر غير مسبوق إلا أنه يأتي في سياق خلافات وتباينات في وجهات النظر بين جهاز الاستخبارات والحرس الثوري. ولسنوات طويلة هيمن فيلق القدس (التابع للحرس الثوري) بقيادة الجنرال قاسم سليماني الذي قتل في غارة أميركية في مطلع العام 2020، على إدارة ملف العراق وكان لسيلماني نفوذا واسعا على الميليشيات الشيعية العراقية وحتى في داخل إيران. وبعد اغتيال سليماني طرحت خطة بديلة لاستبدال إستراتيجية الهيمنة التي كان يتبعها سليماني في العراق والعمل على خطة جديدة تركز على التغلغل الناعم والابتعاد عن كل ما يثير الشبهة ويكشف أوراق إيران. وبالفعل بدأ القائد الجديد لفيلق القدس إسماعيل قاآني على تنفيذ خطة جديدة لكنه كان يفتقد للكريزما التي كان يتمتع بها سليماني. جزء من الخطة التي عمل عليها قاآني كان تشكيل قوات نخبة من مقاتلين متمرسين وبقيادة غير معروفة، وهي التشكيلات التي استهدفت على الأرجح في أكثر من مناسبة قواعد أميركية في العراق. وكانت إيران على قناعة بأن أوراقها أصبحت مكشوفة طالما أن ميليشياتها صارت معروفة وقادتها أيضا معروفون وكثير منهم تحول للعمل السياسي مع الاحتفاظ بأذرع مسلحة وهي الأحزاب التي منيت بخسارة في الانتخابات التشريعية المبكرة. وشكلت تلك الهزيمة القطرة التي أفاضت كأس الخلافات بين وزارة الاستخبارات والأمن الوطني والحرس الثوري. ويقول التقرير العراقي إنها "ليست المرة الأولى التي يجري فيها الحديث عن تضارب في المواقف والأداء ما بين الحرس الثوري الإيراني وبين وزارة الاستخبارات والأمن الوطني (اطلاعات)، فالخلاف الداخلي الدائر بين القطبين، انتقل بشكل أو بأخر إلى الأرض العراقية". وأشار إلى أنه كان من الواضح أن السلطة الدينية والسياسية العليا ممثلة في مرشد الثورة علي خامنئي كانت تغلب وجهة نظر وأساليب فيلق القدس بقيادة سليماني الذي كان له حضور قوي ودور مؤثر في مركز صناعة القرار العراقي منذ 2003. وأربك اغتيال سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي أبومهدي المهندس، الأذرع الإيرانية وتجلى ذلك بوضوح في الأداء الضعيف لميليشيات الحشد الشعبي وأحزابه في الانتخابات الأخيرة. والإرباك الذي أصاب تلك الميليشيات انسحب أيضا على إيران التي كانت تراهن رغم حالة الاحتقان الشعبي التي تجلت بوضوح في احتجاجات أكتوبر/تشرين الأول 2019، على تلك الأذرع لإدارة مريحة للملف العراقي من جهة ولتأكيد نفوذها الإقليمي في خضم الصراعات القائمة مع الولايات المتحدة ودول الخليج وأساسا إظهار قوة ضغط فيما تفاوض لانهاء أزمة الملف النووي ورفع العقوبات الأميركية.    ونقلت وكالة شفق نيوز الكردية العراقية عن مصدرين سياسي ودبلوماسي قولهما إن الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي وهو من غلاة المحافظين، قرر نقل ملف العراق إلى إدارة وزارة الاستخبارات والأمن الوطني بدلا من الحرس الثوري. ونقل الملف من الحرس الثوري القوة الضاربة، إلى الأجهزة الأمنية والاستخباراتية يعتبر بمثابة انقلاب في الإستراتيجية الإيرانية ومحاولة لاستعادة زمام الأمور والسيطرة على الوضع و"الإمساك بالملف العراقي بطريقة مختلفة وإدارته بآليات مغايرة".   وبحسب المصدر ذاته، فإن مسؤول الاستخبارات (الاطلاعات) السابق محمود علوي يتواجد في مدينة النجف ولن يغادرها إلى أن يتم تشكيل الحكومة التي يبدو أن مفاتيحها حاليا بيد الزعيم الشيعي مقتدى الصدر الذي يقدم نفسه وطنيا بعد أن كان تحت الأجنحة الإيرانية. وتقول المصادر إن التيار الصدري أوصد الباب أمام وساطة إيرانية في الأيام القليلة الماضية كانت تدفع لتقارب بين الإطار التنسيقي للقوى الشيعية وتحديدا بين نوري المالكي (ائتلاف دولة القانون) والصدر لقيادة تشكيل الحكومة. وتفسر الضجة التي أحدثتها قوى الإطار التنسيق في أول جلسة للبرلمان العراقي إلى حدّ ما صحة تلك الرواية وتعكس فشل طهران في احتواء الصدر وإعادة السياسيين الموالين لها للامساك بزمام الأمور. وتتطابق هذه التطورات بالفعل مع ما تردد من قيام قائد فيلق القدس إسماعيل قاآني بزيارات سرية إلى بغداد ولقائه بقيادات من الإطار التنسيقي وتحديدا مع هادي العامري زعيم ائتلاف الفتح وقيس الخزعلي زعيم ميليشيات عصائب أهل الحق. ويبدو أن فشل قاآني في احتواء الصدر وفي إعادة التوازن بين القوى الشيعية عجلت بقرار سحب الملف العراقي من الحرس الثوري. وقد لا يكون هذا الفشل الأول لقاآني، فقد سبق له أن قام بزيارات سرية قبل الانتخابات لتوحيد الأحزاب الشيعية التي كانت تتنافس في ما بينها على النفوذ وكانت هناك قضايا خلافية بين تلك القوى حول التواجد العسكري الأميركي والتعامل مع رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي وكيفية خوض الانتخابات. ويقول مصدر سياسي، إن وفدا إيرانيا رفيع المستوى يضم سياسيين وقادة في الحرس الثوري غادر بغداد غاضبا بعد أن فشل في إعادة ترتيب البيت الشيعي العراقي، بعد أن رفض الصدر أي ائتلاف نيابي مع كتلة نوري المالكي. وبين الصدر والمالكي المقرب من إيران، خلافات قديمة وعميقة قد تكون هي من حالت دون أي تقارب سياسي بينهما بالإضافة إلى أن الصدر الذي عرف بتلون مواقفه، ليس من مصلحته تشويه الصورة التي حرس على الظهور بها كشخصية وطنية ترفض التدخلات الخارجية وتنأى بالعراق عن التدخل الإيراني. ونقلت الوكالة الكردية العراقية عن مصدر دبلوماسي لم تسمه، إن إيران حريصة على عدم تصدع البيت الشيعي العراقي من جهة لكنها أيضا حريصة على أن لا تربك أذرعها العراقية جهود تهدئة التوتر مع السعودية وأيضا جهود غلق الملف النووي، حيث تجري مفاوضات صعبة مع القوى الدولية في فيينا بهدف إحياء اتفاق 2015، بما يتيح لها رفع العقوبات الأميركية وتفادي المزيد من الضغوط التي وضعت اقتصادها على حافة الانهيار. وبحسب المصادر ذاتها، فإن طهران لم تكن راضية على أداء الميليشيات العراقية وأنها ترغب في بقاء مصطفى الكاظمي الذي يعتقد أنه يلعب دورا مهما في تقريب وجهات النظر بين السعودية وإيران، على رأس الحكومة العراقية.

مشاركة :