واشنطن - حذر الخبير بمجلس العلاقات الخارجية الأمريكي ماكس بوت من محاولة إيران "لبننة" العراق، حيث تسعى للسماح لحكومة موالية للغرب بالحكم نظريا في حين تكون السلطة الحقيقية في أيدي ميليشيات مدعومة من طهران. وأكد بوت أن القوة في لبنان هو حزب الله وفي العراق هي ميليشيات مثل كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق. وأعلنت الولايات المتحدة مؤخرا عن خطط لخفض عدد قواتها في العراق من 5200 جندي إلى 3000 جندي، وفي أواخر سبتمبر، هدد وزير الخارجية مايك بومبيو بإخلاء السفارة الأميركية بالكامل في بغداد إذا استمرت الهجمات التي تشنها قوات تعمل بالوكالة لحساب إيران . ومنذ ذلك الحين، يبدو أن الهجمات الصاروخية على السفارة الأميركية والمنشآت العسكرية في العراق قد توقفت، إلا أنها استمرت على القوافل التي يديرها العراق والتي تزود القوات الدبلوماسية والعسكرية الأميركية بالإمدادات. وأضاف بوت في تقرير نشره مجلس العلاقات الخارجية أن خفض التصعيد هذا ربما يرجع إلى رغبة إيران في تجنب أزمة قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية قد تساعد في إعادة انتخاب الرئيس ترامب. والآن، عرضت الميليشيات تعليق الهجمات الصاروخية على القوات الأميركية إذا قدمت الحكومة العراقية جدولا زمنيا لانسحاب تلك القوات. وفي هذا الإطار، قد يكون من المنطقي بالنسبة للولايات المتحدة تقليص بعثتها الدبلوماسية في بغداد، حيث أنها تعد الأكبر في العالم، إلا أن سحب كل قواتها أو دبلوماسييها من العراق، سيكون عملا متهورا. وسيتسبب، في الواقع، في منح إيران ما تريده بالضبط. ويمكن بقاء القوات الأميركية في العراق، من مواجهة النفوذ الإيراني، الذي لا يزال كبيرا وغير منقوص على الرغم من كل العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب على طهران. وكان أهم عمل للكشف عن نفوذ الميليشيات الإيرانية هو ما قام به هشام الهاشمي، الباحث العراقي الذي عمل مستشارا للحكومة العراقية وقاتل في وقت من الأوقات كمتمرد ضد القوات الأميركية. ووجد الهاشمي أن "استيلاء الميليشيات التدريجي على الدولة، على أساس إعادة الإعمار والمصالحة بعد حرب أهلية، هو حرب طائفية في جزء منه واحتلال وجريمة منظمة في جزء آخر، لكنه في الواقع يعني الهيمنة الإيرانية الكلية". وأوضح أن الميليشيات "تمكنت من انتزاع سيطرة واسعة النطاق على جزء كبير من الاقتصاد العراقي من جمارك المطارات ومشاريع البناء وحقول النفط والصرف الصحي والمياه والطرق السريعة والكليات والممتلكات العامة والخاصة والمواقع السياحية والقصور الرئاسية، فضلا عن ابتزاز المطاعم والمقاهي وشاحنات البضائع والصيادين والمزارعين والعائلات النازحة ". إلا أن الهاشمي دفع حياته ثمنا لأبحاثه، حيث اغتاله مسلحون يوم 6 يوليو خارج منزله في بغداد، فيما ينظر إليه على نطاق واسع على أنها عملية نفذتها قوات الحشد الشعبي. وقد نقل صديقه، المحلل الأمني السوري الأميركي حسن حسن، الذي تحدث إلى الهاشمي قبل ساعتين من وفاته، هذه النتائج السابقة التي توصل إليها الهاشمي. ومنذ أن تم القضاء على تنظيم داعش في العراق إلى حد كبير في عام 2017، كان هناك توجه محتشم، نتيجة الضغوط الأميركية، لتقليص قوة الحشد الشعبي، ولكن كانت هناك معيقات عدة تحول دون ذلك، لكن مع وصول مصطفى الكاظمي، وهو رئيس سابق للاستخبارات العراقية إلى منصب رئيس الوزراء في مايو بعد احتجاجات شعبية على الفساد والبطالة، بدا هذا التوجه أكثر وضوحا وأظهر الكاظمي حرصا كبيرا على تفكيك سطوة الميليشيات. وفي أواخر يونيو، أمر الكاظمي باعتقال أربعة عشر من أعضاء كتائب حزب الله. ولكن بعد أن دخل مسلحون في شاحنات صغيرة إلى المنطقة الخضراء في بغداد حيث مقر الحكومة وطالبوا بالإفراج عنهم، تم إطلاق سراح معظم المعتقلين. ثم تم تصويرهم في وقت لاحق وهم يحرقون الأعلام الأميركية ويدوسون على صور الكاظمي. ويتعين على الولايات المتحدة أن تستمر في دعم الكاظمي، الذي يعتبر أكثر رئيس وزراء موال للغرب في العراق منذ سقوط الرئيس الراحل صدام حسين. وهو أفضل رهان ليس فقط لكبح جماح وكلاء إيران، ولكن أيضا لمنع عودة ظهور تنظيم داعش الذي يتردد أن لديه عشرة آلاف مقاتل في العراق وسوريا واحتياطيات مالية لا تقل عن 100 مليون دولار. وهذان الهدفان مرتبطان ارتباطا وثيقا فكلما زادت سيطرة الميليشيات المدعومة من إيران على الدولة العراقية، زاد لجوء السنة العراقيين إلى الجماعات السنية المتطرفة مثل تنظيم داعش من أجل الحماية. وفي المقابل، كلما بدت الدولة العراقية غير طائفية، زاد احتمال رفض السنة لمداهنات التنظيم المتطرف. ولتحقيق هذا الهدف، يجب على الولايات المتحدة أن تستمر في الضغط من أجل دولة غير طائفية من خلال المساعدة في تدريب قوات الأمن العراقية والمساعدة في تقديم المشورة للقادة العراقيين وتقديم المساعدة الحاسمة في مجالات مثل الاستخبارات والخدمات اللوجستية. ولا يمكن القيام بذلك إلا إذا حافظت الولايات المتحدة على وجود كبير على الأرض- ثلاثة آلاف جندي كحد أدنى- على الرغم من مخاطر الهجمات المدعومة من إيران.
مشاركة :