ورث الشاب خليل جبارة عن أبيه منزلاً صغيراً وقديماً مستأجراً بمبـــلغ مئـــــة ألف ليرة لبنانية سنوياً (نحو 66 دولاراً)، وهو يقيم فيـــه اليوم مع زوجته وإبنته الصغرى، فيما يطالبهم صاحب المبنى يومياً بإخــلاء المنزل لأنّه يريد بيع العقار. في المقابل، يطالب خليل المالك بدفع خلو مقبول لكي لا يتشرّد وعائلــــته في الشارع، بما أنّه غير قادر على الإنتقال إلى منزل آخر تسري عليه الإيجارات الجديدة الباهظة، فأصغر المنازل باتت تؤجر بـ500 دولار شهرياً على رغم أنّ مساحتها لا تزيد أحياناً عن 60 متراً مربّعاً في العاصمة بيروت وضواحيها. وهكذا يستمر الجدل يومياً بين المالك الرافض لدفع الخلو والمستأجر القلق على مستقبله وما سيحلّ بأسرته في حال ترك المنزل. وتحتدّ الأزمة أكثر بعدما قرّر صاحب المبنى رفع دعوى ضدّ خليل ومستأجر آخر لرفضهما الإخلاء، ما يضيف قضية إلى مئات القضايا المكدّسة في المحاكم المختصّة بهذا الشأن. هذه القضية باتت تتكرّر كثيراً خلال السنوات القليلة الماضية والنزاعات إلى تزايد مستمر، خصوصاً بعد أن شكّل المالكون القدامى تجمّعاً يسعى إلى الضغط على المسؤولين بهدف تحرير عقود الإيجارات السكنية والتجارية القديمة كلها بهدف مساعدتهم على تحصيل حقوقهم. تقابل ذلك هواجس المستأجر من ذوي الدخل المحدود الذي يعجز عن دفع بدل الإيجار من مدخوله المتآكل بسبب الغلاء المعيشي، وهو يرى في الإيجار القديم طاقة أمل يتمنّى أن تبقى مفتوحة أمامه. «ظلم مستفحل» يقدّم مالكو الأبنية القديمة المؤجرة وجهة نظر تستند إلى وقائع تدلّ على أنّهم «مظلومون». فبحسب رئيس تجمّع مالكي الأبنية المؤجرة جوزيف زغيب، «أنّ المالكين يتعرّضون لظلم مستفحل منذ 40 عاماً، وهم يعيشون واقعاً صعباً في ظلّ بدلات الإيجار الزهيدة التي يتقاضونها». ويطالب زغيب بالضغط لصدور قانون جديد للإيجارات «يعيد إلى المالكين القدامى حقوقهم المشروعة والمغتصبة». ووفق البيانات الرسمية الصادرة عن التجمّع، فإنّ «المستأجرين تحوّلوا بفعل مرور الزمن والقوانين الجائرة الظالمة إلى قوى أمر واقع، فهم يقيمون بالمجان مع ورثتهم وأبنائهم». وهذا ما يصفه أصحاب المباني بأنّه يشبه تأميم المنازل وحرمان أصحابها من أبسط حقوقهم لتقاضي بدل إيجارات عادل. ويضطر بعض المالكين اليوم إلى أن يصبحـــوا بأنفسهم مستأجرين لقـــاء مبـــالغ عاليـــة بسبب عدم قدرتهم علــى الإستفادة من المنازل التــــي يسكنها المستأجرون ويرفضون الخــــروج منها. كما هناك مشكلة أخرى يطرحها المالكون وهي خطر إنهيـــار مبانٍ كثيرة قديمة تتهاوى تدريجاً بوجود المستأجرين. وهنا تجـــدر الإشارة إلى أنّ مبنى فسوح الـــذي إنـــهار في منطقة الأشرفية قبـــل نحو عامين وأدّى إلى مقتل ثلاثـــة أشخاص وجرح 11 آخرين، كانــت تسكنه عائلات بموجب عقد إيجــار قديم، وبما أنّ المبالغ التي دُفعـــت للمـــالك كانت زهيدة، فقد حال ذلك دون ترميم المبنى أو صيانته. آلاف الأسر في خطر وفق الإحصاءات التي يوردها زغيب عن تقرير حول عدد المستأجرين البالغ عددهم 81500 مستأجر، فإنّ هناك 1300 مستأجر أجنبي، 3 آلاف من المستأجرين الأثرياء، 18 ألف مستأجر من أصحاب الفنادق والمؤسسات التجارية والسياحية، 6 آلاف مستأجر يعمل ضمن مهن حرّة، 5 آلاف يحملون صفة المستأجر والمالك معاً أي أنّ لديهم ملكاً في مكان وهم مستأجرون في مكان آخر، إضافة إلى 13 ألف مستأجر من العمّال وما دون الطبقة المتوسطة. ومن جهة المالكين، فهم يجدون أنّه من المجحف كون غالبية المستأجرين ميسوري الحال، ويصرّون على بدل الإيجار الزهيد. لكنّ المشكلة الإجتماعية والإقتصادية تكمن حقيقة في موضوع العمّال المستأجرين الذين ترعبهم فكرة إقرار قانون جديد للإيجارات يرفع المبالغ المطلوبة شهرياً أو يتيح للمالك التحرّر من العقود القديمة وإجبارهم على الخروج من منازلهم، خصوصاً أنّ لجنة المتابعة للمؤتمر الوطني للمستأجرين القدامى تحدّد عددهم بـ180 ألف عائلة أي حوالى 800 ألف مواطن ما يسجّل فرقاً شاسعاً في الأرقام بين الطرفين. ويقول المستأجر ضياء حمادة في هذا السياق أنّ ذوي الدخل المحدود يجاهدون لدفع بدل الإيجار الزهيد في آخر السنة، متسائلاً: «كيف سيكون الحال حين تتحرّر العقود ويقرّر المالكون هدم هذه المباني وتشييد أخرى جديدة بأسعار خيالية للشراء أو الإيجار؟». وحتّى الآن، يبدو أنّ الحلّ لن يكون متاحاً من جهة الدولة، بما أنّ مشروع قانون الإيجارات السكنية الجديد الذي أنهت دراسته لجنة الإدارة والعدل ورفعته إلى المجلس النيابي، لا يزال مادة سجال بين المالكين القدامى ولجنة متابعة حقوق المستأجرين. ولا يجد المالكون حلاً أمامهم إلا رفع الدعاوى القضائية فيما يحاول المستأجرون استعطاف الرأي العام لقضيتهم، في ظلّ غياب سياسة إسكانية توفّر الحلّ العادل للطرفين.
مشاركة :