بول سيزان فنان من طراز فريد، ليس لأنه أثّر في حركة الفن من بعده، أو لأنه كان النبع الذي استقى منه فنانون كثيرون إلهامهم، ولا كان معلمًا فنيًا رئيسيًا في حقبة زمنية بعينها، وإنما لأنه _وعلاوة على ذلك كله_ آمن بنفسه، وبقدرته على إحداث نقلة فنية نوعية. ليس هذا فحسب، بل كان مستعدًا وواعيًا بالضريبة التي على أمثاله من العظماء دفعها؛ حيث وُوجه بول سيزان كثيرًا، وأشاح النقاد بأيديهم في وجهه، وأداروا له ظهورهم، لكنه لم يتنكب عن السير في طريقه، وعن تأسيس نمطه الفني الخاص والفريد. اقرأ أيضًا:ريشارد جوردن ورحلة غزو الفضاءاستنطاق الطبيعة الصامتة بغض النظر عن التحقيب الفني/ التأريخي للمراحل الفنية التي مرّ بها بول سيزان فإن الشيء اللافت ليس اقتطاعه مشهدًا من الحياة اليومية والإحاطة به من جميع جوانبه، كما في لوحات «السباحون»، «لاعبو الورق»، «الصيادون»، ولكن اللافت حقًا هو محاولة سيزان _حتى في مشاهده التفصيلية التي ظهرت في اللوحات سابقة الذكر_ وسعيه المحموم لجعل الطبيعة تتكلم، إنه يحاول، أن يستنطق الطبيعة، لك مثلًا أن تتأمل لوحة «Still Life with Jar ،Cup ،and Apples» أو لوحة «Dish of Apples» لتدرك أن الهمّ الأساسي للرجل هو إعطاء الطبيعة الفرصة لتفصح عن ذاتها، وأن تتحدث إلينا بلغتها. أيكون قصد بول سيزان من مثل هذه الثيمات الفنية إحداث نوع من التواصل ذي الكثافة الرمزية الباطنية بيننا وبين الطبيعة؟ أيكون هو نفسه _كما هو الحال مع فريدا كاهلو _ تمكن من اجتياز الحد الفاصل بين الإنسان والموجودات الأخرى؟ كل هذه دفعات تأويلية لها ما يبررها من فن بول سيزان؛ سوى أنه لا يمكن القطع بالتأويل كما هو معروف. اقرأ أيضًا: إراسموس.. رائد الأدب الإنسانيلوحة حياته واستذكارًا للرجل في ذكرى وفاته، يرصد «رواد الأعمال» أبرز المحطات في حياة هذا الفنان الخالد وإلقاء بعض الضوء عليها، وذلك على النحو التالي: وُلد بول سيزان في التاسع عشر من يناير عام 1839 بمدينة (اكس آن بروفانس) القريبة من مارسيليا لعائلة ثرية. زامل في دراسته الأولي في كلية بوربون الكاتب الكبير إميل زولا؛ وبعد أن أمضى فترة من الوقت في دراسة المحاماة، تحول إلى الفن بعدما استشعر ميلًا إليه. ذهب سيزان إلى باريس في عام 1861م، وتعرف هناك علي المصور بيسارو؛ الذي صار من أخلص أصدقائه، كما تعرف على بقية المصورين التأثيرين: مونيه، مانيه، رينوار، سيزلي وبازيل؛ وصادق منهم مونيه ورينوار. خلال عام 1866 كان سيزان يعلّم نفسه بنفسه، كما كان يتردد على متحف اللوفر ليستفيد من أعمال الفنانين العظماء المعروضة هناك. أُعجب بول سيزان بمصوري البندقية وفناني الباروك، كما أُعجب بأعمال بوسان واوجين ديلاكروا وتعرف على أعمال مانيه وكوربيه في معارضهما المنفردة في عام 1867. تعكس أعمال المرحلة الأولي من حياته الفنية ( 1860 – 1870 ) تأثرًا بدومييه وديلاكروا، وميلًا إلى المذهب الرومنطيقي. وبحلول عام 1873م ظهر في أعماله أسلوب جديد؛ ويرجع السبب في ذلك إلى اعتناقه النظرية التأثيرية وذلك بفضل المصور بيسارو؛ الذي نصحه بدراسة الطبيعة، وترك الألوان القاتمة، واستخدام مجموعة ألوان نقية فاتحة تظهر فيها الإضاءة الشمسية. وصل سيزان القمة في أسلوبه الكلاسيكي في الأعمال التي عُرضت بالمعرض الذي أقامه التاجر فولار عام 1895م. توفي بول سيزان في 22 أكتوبر 1906 عن عمر يناهز 67 عامًا في مسقط رأسه ايكس اون بروفونس في فرنسا. اقرأ أيضًا: مريم الشملاوي: الفن السعودي يشهد دعمًا غير مسبوق وعلى أعلى مستوى بول كلي.. الفنان العابر للحدود رواد الفن التشكيلي في العالم.. الشهرة والتقييم
مشاركة :