أغلب المسارات الذاتية للفنانين الخليجيين، أنتجت (المعنى) المفترض انتاجه، في مرحلة من مراحل التطور الذاتي والموضوعي للفن في هذه المنطقة. ونؤكد أنها تبدو للوهلة الأولى مدخلاً (للمعنى) .بمعنى أنها بحث جاد عن الهوية المطلوبة للفن الخليجي المعاصر. ولكن لو أردنا أن نتعمق منصفين هذه المثابرة الخلاقة، فإننا سوف نصل إلى حقائق أساسية يصعب التغاضي عنها. هذا الفن الذي ينمو ويتطور في بيئة صحية، لا يشوبها أي زغل أو تشويه، يتفاعل سرياً مع العديد من الفنون الوافدة التي تلجأ إليه مستغلة ومستفيدة من المناخ الإبداعي السائد، فتجربة بيت االشامسي مثلاً، هي تجربة نادرة، حيث يسمح للفنان الوافد أن ينتج ويسكن في محترف. إضافة إلى أن شروط العرض، والكتابة النقدية عن الحركة الفنية متوفرة بشكل كبير، وكلنا نذكر تجارب المرحوم الفنان الصمودي، وتجربة إسماعيل الرفاعي، ثم تجربة ثائر هلال وغيرهم من الفنانين والنقاد الذين يشهد على تجوهرهم الفنان والناقد عبد الكريم السيد. إن الباب الابداعي المشرع في إمارة الشارقة بالذات هو نقطة مركزية من نقاط التفاعل الخلاق بين الداخل والوافد، مع ذلك كله فإن الفنان الخليجي سيبدو هو العنصر المؤثر في الوافد الذي تدفعه حالة الالتجاء إلى البحث الابتدائي عن الإيقاع الذي يفضل أن نختاره. وهنا يجب أن نتنبه لتجربة الفنان الإماراتي عبدالقادر الريس الذي شكل عبر لغته التعبيرية المكثفة بحالة الرسم أو بطاقة التصوير كما يجب أن نقول، لأن العديد من التعبيريين التصويريين العرب اقتدوا بمنهاجه البياني المنير. إن صيغة الفرادة والاستقلالية لدى بعض الفنانين الخليجيين، سوف تبدو جليّة وحازمة، سيما عند التعامل مع المسطح التصويري بأنواع متجردة ومختلفة من الخامات والمواد. وخير مثال لدينا بعض الفنانين القطريين، مثل عبدالرحمن محمد المطاوعة، وهو من مواليد عام 1971 وعضو الجمعية القطرية للفنون التشكيلية. وكذلك عيسى الغانم من مواليد 1950، وهو دارس آثار واركيولوجي وأحد مؤسسي الجمعية القطرية للفنون، فيما سنرى مدى التمادي في استعمال الخامات النافرة عند محمد عتيق الدوسري من مواليد 1966، فيما تجربة طارق محمد المناعي تنمّ عن رغبة في الذهاب بالتأليف الملمسي إلى أقصى معطياته. ولو أردنا أن ندرس إحدى لوحات الشيخة حور بنت سلطان القاسمي، والتي أنتجتها قبل 16 عاماً تقريباً. فإننا سنجد الروح المحلية تتجسد بقوة في ذلك التأليف الذي يكشف عن الشخصية التقليدية الخليجية، فاللوحة هنا تخرج من دائرة التسجيل لتستقر تقريباً في دائرة الرصد (السوسيولوجي) للإنسان الخليجي، صانعه مهمة أخرى للفنان الخليجي تتجاوز تغنيه وإعجابه بالتراث والموروث متخذة موقف الراصد الذكي. ولكن على مستوى تشكيلي آخر، سنرى أن كريمة محمد الشوملي وهي من مواليد الشارقة سنة 1965، ورغم اختصاصها الاقتصادي تنجح في تقديم تركيب ينتمي لفنون (الكونسبت آرت) الجريئة على أنها تلك الجديلة المضفورة من الخيوط الملونة. أما البحراني جمال عبد الرحيم، فإن تجاربه المتعددة، وخبرته التأليفية الفائقة هي التي تؤهله لأن يبتكر هذه العوالم التي تأخذك إلى أعماق السؤال الإشاري التجريدي المطلوب. ومن الذين يشتغلون على السطح التصويري بمواد شرسة وصعبة، البحراني عباس يوسف أحمد، فهو كصانع أمهر للأسطح الصعبة سيقدم الوجه الباطني للتأليف. فيما على المقلب الآخر سيبدو عبد الرحيم الشريف من مواليد البحرين سنة 1954، مسيطراً على التأليف المتجاوز (للبورتريت) إذ تأخذ الألوان مداها الأرحب. أما تجربة البحرينية منيرة سلمان الجلاهمة، فهي مهمة ومثيرة لأنها نجحت في تجاوز المدى التأليفي للسطح، وقدمت أعمالاً تركيبية أثارت إعجاب النقاد. وها هي شجرة محمد أحمد إبراهيم، التي منحها حضوراً رمزياً عندما كسى جسدها بالأقمشة الملونة، فلم تعد شجرة وحيدة في أرض جرداء، بل صارت حضوراً إشارياً مميزاً. فيما عوالم نجاة مكي، وهي نحاتة مميزة من دبي، ستبدو مدهشة وهي تمهد مسطح عملها التصويري تماماً كما تمهد الأرض قبل البذار، إنه تأليف تجريدي على مخيلة خصبة حركت الألوان ومنحتها ذلك الحضور النادر. ندرك من كل ما تقدم، أن سؤال المعنى التعبيري في التشكيل الخليجي المعاصر بات يأخذ منحاه المتجاوز، متوازياً بذلك مع التجارب الإبداعية العالمية. بوصفه الند المتقدم على التجارب العربية السائدة حالياً، وهي بكل أسف، وبسبب ما هو سائد، خفيفة الثقل، وغير منسجمة مع الوضع السوسيولوجي الاجتماعي السائد. راقبوا التجربة التشكيلية الخليجية فإنها تشير إلى ما سيأتي، وهو كثير ومثير أيضاً.
مشاركة :