حمود الحجري يسبر أغوار القصيدة الشعبية العمانية

  • 10/23/2020
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

يتناول هذا الكتاب "ضفة ومجداف سبر لأغوار.. القصيدة الشعبية العمانية" للشاعر والناقد حمود الحجري، قراءة عدد من النصوص الشعرية، لشعراء عمانيين، من أجيال متفاوتة، انحازوا إبداعياً لخيار كتابة القصيدة الشعبية (العامية)، هذه القصيدة التي شهدت، في الآونة الأخيرة، تطوراً ملحوظاً، بتوسل تقنيات كتابية متطورة ومغايرة، تعضدها مجسات فائقة الرهافة، وحساسية جديدة، تتطلع إلى قصيدة قادرة على التعبير عن راهنيتها، وتشظي زجاجها الداخلي. يؤكد الحجري في كتابه الذي صدر عن مؤسسة أروقة للنشر أن قراءته جمالية، متذوقة، في محاولةٍ لسبرِ مواطن الجمال في هذه النصوص، نصوص لعل أهم ما يجمع بينها هو عدم استسهال لعبة الكتابة، والتعامل معها بمجانية، فالكتابة، أبداً، ليست لعبة طيّعة، "سهلة الانقياد كما قد يتصورها الكثيرون". نصوص تتوق إلى أن تصافح القارئ بحلل مختلفة وخيارات مغايرة، تتوق إلى فرادتها، "ولا تستعير أصابع الآخرين"، بل تسعى إلى رسم قانونها الخاص، بعيداً عن التشابه المستشري لدى الغالبية. قراءة تزعم عدم الانحياز لأي شكل كتابي على حساب آخر، ولا تنتصر سوى للإبداع، وفعل الدهشة، واتقاد جمرة الشعر. قراءة تجد نفسها حيث يوجد ماء الشعر، مانح الحياة والخلود، واهباً للقصيدة فتنتها ونضارتها الدائمتين. انطلق الحجري من قراءة في النصوص الفائزة بالمراكز الثلاثة الأولى، في مسابقة المنتدى الأدبي لعام 2011: تسابيح الغياب للشاعر صالح الحاتمي، وبلل للشاعر عبدالناصر السديري، واستغفار للشاعر عبدالعزيز العميري، حيث رأى أن نص الحاتمي "تسابيح الغياب" أتى مزاوجاً بين التفعيلة والعمودي كـبنية، حيث تتشكل السالفة عبر التفعيلة، ومن خلال مقطع شعري، قصير نسبياً، يتوسله الشاعر كـمدخل تتفرع عبره القصيدة وتنثال الحكاية في قالبها العمودي، عبر اثني عشر بيتاً، بالتمام والكمال.  النص في مجمله ذاتي، يبث توقه وحنينه إلى الآخر، الذي تحصّن بالغياب، فتوقّف الزمن هنا عن الحركة والجريان "خانت رياحك قاربي" لم يعد سوى الوجع والعطش والانطفاء والدروب العجاف، وقناديل الصبر المطفأة، وجثمان الفرح، وعنقود القهر. فالنص تسبيحة غياب، تستجدي ذلك الزمن الجميل، الذي ذبلت غصونه، إلا في مخيلة الشاعر، الذي يتوسل بغنائه الحزين، والمضمّخ بالوهن والتعب شيئاً من السلوى ("وينك" التي تكررت مرتين، "في غيبتك" وقد تكررت مرتين أيضا). وقال عن نص "بلل" للسديري "يمتلك قدرة عجيبة على تحريك القار والكامن في أعماق النفس البشرية بساديّة لا يملك الشاعر أمامها سوى الصراخ بحرقة "يا مطر بسّك تذكرني، تعنيني" لينهمر إثر هذا المطر الحقيقي/ الخارجي مطر آخر معنوي/ داخلي، يشكل بطانة النص الداخليّة، وصوغه الحزين. هذا الاسترجاع الموجع، والنزف المؤلم، الذي لا يجد الشاعر مناصاً منه ولا مهرباً، هو من يحدو به لأن يمط "ليت" التمني، لعله يصبح فلاة، لا ماء فيها ولا شجر، لا يحرك فيه مرور قافلة الذكرى ساكناً، ولا يبكيه حديث الأحباب: وأنا يا ليت لو صدري فلاة وهـ الجروح أغراب/ يمروني عطش ليلة، حديث ٍما يبكيني. ولكن هيهات، هيهات: يقولون: الذي مرّك خطيئة هو بعد ما تاب/ وأنا أقول: العمر عكرة سنينه لو يخليني". وقال الحجري عن "استغفار" للعميري يبدو أن العميري كتب استغفاره هذا على خلفية صوت فيروز، الملائكي، الساحر، ولهذا جاء استغفاره غنائيّة، شجيّة، تنساب من حنجرة ناي شفيف "غنت للصباح ـ جيتي انتي في الأغاني ـ من حذفك بسكتي حلم ويماااام ـ أدندن آخر ألحاني":  ما عرفتي كل ما فيروز غنت للصباح  وأنا ماشي للجراح  جيتي انتي في الأغاني تشعلين الحزن ثاني وترحلي مثل السنين وترحل أفراحي معاك اللعبة الموسيقية، الإيقاع المتدفق الشجي، الذي تتضافر معطيات عديدة في وفرته: القافية الداخلية (الصباح/ الجراح ـ الأغاني/ ثاني ـ الريح/ تطيح ـ ينام/ الزحام/ يمام)، التكرار (تحت ظل الحزن يقراك بكفوفه للنجوم وما رجعتي/وظل يقراك بعيون الحالمين.. وما رجعتي ـ لا جديد/ لا جديد ـ وأتذكرك/ اتذكرك/ اتذكرك..) كنت ألوّح.. مثل طفل راحت أمه للغياب وظل متسمر على الباب ونسى.. تلويحته للريح جف عمره وصارت سنينه تطيح ظل شارد تحت ظل الحزن يقراك بكفوفه للنجوم  وما رجعتي وظل يقراك بعيون الحالمين.. وما رجعتي لين وصله الضياع إلى الذنوب. من بين هذا اليتم والغياب الذي يقود، في نهاية المطاف، للضياع. وواصل الحجري قراءة نصوص: "جرار" لأحمد الشيدي و"حنايا الأرض" لصالح الريسي، و"في وادي بلا زرع" لخميس الوشاحي، و"متى تكبر بعيني" لعبدالناصر السديري، و"ديرة الشمس" لحمد الهاشمي، و"دعوة إلى التعايش" لحمود بن وهقه اليحيائي، و"شبّاك" لخالد العريمي، و"على مبعدة من ظله" لحمد البدواوي، و"وجه" لعبدالعزيز العميري، "حمام قلوب" لمحفوظ الفارسي. ليختتم كتابه بملحق يضم نصوص هؤلاء الشعراء.  

مشاركة :