بعد قرون من سيطرة كل ما هو سياسي واقتصادي، لم يعد مقبولاً في أوطاننا العربية إقصاء الثقافة وكل ما هو ثقافي، سواء من منطقة صنع القرار، التخطيط للمستقبل، أو المساهمة في تحسين ظروف الحياة والمعيشة، فقد اقتنعت بلداننا العربية أخيراً بدور الإبداع والثقافة في كل ذلك.. في صنع القرار، في المساهمة في الناتج الوطني، في توفير فرص العمل لكثير من الشباب، في تنويع مصادر الدخل، وفي تحسين صورة المجتمعات أمام العالم. فهل يمكن للنواتج الثقافية أن تفعل كل ذلك؟ لقد ثبت بالدليل القاطع الذي قدمته بلدان العالم المتقدمة منذ نهايات عقد الستينيات أنها استطاعت ذلك بالفعل، ومع ثورة المعلوماتية والتقنية، فإن قدرتها قد أصبحت أكبر بكثير، وتأتي إمبراطورية هوليوود السينمائية كمثال ساطع على ذلك. إن الولايات المتحدة تقتحم العالم بالترسانة العسكرية والجيوش، كما أنها تتفوق عليهم بالاقتصاد، لكنها تقودهم وتوجههم بمنظومة القيم التي تضخها يومياً عبر آلاف الأفلام والمسلسلات ونجوم السينما والجوائز والمهرجانات، إضافة لصناعة النشر والكتب والإعلام، وشبكات التلفزة ووكالات الإعلام ونظريات هندسة العقول التي تعيد إنتاج أفكار البشر بين فترة وأخرى باتجاه قناعات فكرية وأخلاقية تخدمها في نهاية الأمر بعيداً عن قناعات الآخرين. إن هذه السطوة التي تمتلكها الصناعات الثقافية وقدرتها على توجيه الأذهان، يجعلنا نعتقد بأنه قد حان الوقت لتمنح الثقافة فرصة المشاركة في قيادة وتوجيه مستقبل البشرية، بعد أن دمر جنون السياسية وجشع الاقتصاد، وغرور العسكر، وتطرف الأيديولوجيات كل شيء، اليوم، ربما ما زالت هناك فرصة أخيرة لممارسة الحياة بتوازن أكثر وبقوة أكبر عبر قنوات الفن والثقافة وصناعات الإبداع.طباعةEmailفيسبوكتويترلينكدينPin InterestWhats App
مشاركة :