قراءة تحليلية للانتخابات الرئاسية الأمريكية

  • 8/11/2015
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

لا يهدف هذا الحديث إلى تقديم قراءة عن المرشحين في السباق لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، عام 2016، ومن هم الأشخاص الأكثر حظوظاً، من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، في الوصول إلى البيت الأبيض. هدف هذه المقالة هو التوصل من خلال القراءة التحليلية، إلى من هو الحزب المرجح وصول مرشحه إلى الرئاسة بالانتخابات القادمة، التي بدأت حملتها هذه الأيام. الطريق الواضح والأسهل، لمعرفة من سيصل من الحزبين إلى سدة الرئاسة، يكمن في معرفة أين يقف الاقتصاد الأمريكي الآن. فالوضع الاقتصادي، كان دائماً ولا يزال، هو المفتاح لمعرفة توجهات الشعب الأمريكي، من مواصفات الرئيس المنتخب. في هذا السياق، هناك معادلة لتحديد الحزب الذي سيصل إلى السلطة، الديمقراطي أم الجمهوري. المعادلة تقول كلما حدث تضخم كبير في الاقتصاد، أمست الحاجة ملحة لوصول الجمهوريين إلى سدة الرئاسة، وكلما تضاعف الكساد الاقتصادي، وتسبب بمعاناة أغلبية الأمريكيين، كلما غدت الأبواب مفتوحة للديمقراطيين للوصول إلى سدة الرئاسة. حالة الانتقال من الكساد إلى التضخم، أو من التضخم إلى الكساد، لا يمكن تحديدها بفترة زمنية. فأحياناً تستغرق دورة رئاسية واحدة، وأحيانا تستغرق دورتين أو ثلاثاً، تحكمها في ذلك ظروف عدة، قد تتعدى حدود التفاعلات الاقتصادية الداخلية، إلى ما هو أعم من ذلك بكثير. لنأخذ بعض الأمثلة من التاريخ الأمريكي خلال العقود الخمسة الأخيرة. لقد تسلم ريتشارد نيكسون الرئاسة عام 1969، بعد انتهاء فترة الرئيس الديمقراطي ليندون جونسون، وفشل الديمقراطيين في اكتساب ثقة الناخبين لدورة رئاسية جديدة. واستمرت حقبة الجمهوريين دورتين رئاسيتين، سقط خلالها نيكسون بفعل فضيحة ووترغيت عام 1974م. تسلم الرئاسة بعده، الجمهوري جيرالد فورد، الذي يعد من الرؤساء الأمريكيين القلائل، الذين وصلوا إلى سدة الحكم من غير انتخاب. وأدت الحرب الفيتنامية، إلى خسائر اقتصادية كبيرة للأمريكيين، رافقها سقوط أكثر من خمسين ألف قتيل، عدا مئات الآلاف من الجرحى والخسائر في المعدات. وبلغ الكساد مستوى عالياً في السنوات الأخيرة للرئيس فورد. ولا شك في أن الوضع الاقتصادي الأمريكي المتردي آنذاك، كان من أسباب انتخاب الديمقراطي، جيمي كارتر لسدة الرئاسة. عانى كارتر منذ أيامه الأولى، نتائج الطفرة الكبيرة في أسعار النفط، التي تسبب بها تضامن الدول العربية المصدرة للنفط مع مصر وسوريا، في حرب أكتوبر عام 1973م، التي انعكست نتائجها بشكل مباشر على الاقتصاد العالمي. وجاء احتجاز الرهائن الأمريكيين، من قبل الحرس الثوري الإيراني، في الأيام الأولى لانتصار الثورة، ليشكل ضربة قاصمة لحظوظه، في الحملة الانتخابية، للدورة الرئاسية الثانية. وصل الجمهوري القادم من كاليفورنيا، رونالد ريغان إلى سدة الرئاسة، في ظل تضخم اقتصادي كبير، فكان أن اتخذ قرارات قاسية، للحد من التضخم، عانتها الطبقتان الدنيا والمتوسطة. ولكن الدورة الاقتصادية للكساد أخذت ثلاث دورات رئاسية، اثنتان منها، للرئيس ريغان والثالثة لجورج بوش الأب. وكان سقوط الأخير، بسبب فشل السياسات الاقتصادية، ولم يشفع له أنه احتل بنما، وخاض حرباً انتصر فيها ضد العراق، وأنه الرئيس الذي دشن تربع الولايات المتحدة، كقطب أوحد في العالم. وكان طبيعياً، بعد الكساد الحاد، أن يعاود الديمقراطيون تسلم سدة الرئاسة، فيصل إليها بيل كلينتون، الذي جاء ببرنامج اقتصادي متين، مكن الأمريكيين من الخروج بسرعة من الأزمة الاقتصادية. وتسلم الحكم دورتين رئاسيتين متتاليتين. واعتبر من أنجح رؤساء أمريكا، على الرغم من فضيحة ارتباطه بطالبة متدربة في البيت الأبيض. لكن دورة التضخم اكتملت في عهده. عاود الجمهوريون سيطرتهم على سدة الرئاسة لدورتين متكاملتين، أمسى فيها جورج بوش الابن رئيساً للولايات المتحدة. وكانت بالنسبة إلى العرب من أحلك الحقب في التاريخ الأمريكي. ففي عهده وقف خلفه المحافظون الجدد، وطرح مشروع الشرق الأوسط الجديد، الذي سينبثق من رحم الفوضى الخلاقة. وجرى احتلال أفغانستان والعراق، وبدأت المنطقة بأسرها تتهيأ لانهيارات كبرى. وعلى الصعيد الاقتصادي اتسمت سياسات جورج بوش الابن بفشل ذريع، حيث شهدت أيامه الأخيرة، بروز أزمة الرهن العقاري، التي تحولت لاحقاً إلى أزمة اقتصادية عالمية، لا نزال نعاني تبعاتها، حتى يومنا هذا. تسلم الديمقراطي باراك أوباما سدة الرئاسة دورتين متعاقبتين، ورغم انتهاجه سياسات اقتصادية أعادت الاعتبار للطبقة المتوسطة، وأسهمت في إيقاف حالة الانهيار في الاقتصاد العالمي، فإن الأزمة لا تزال مستمرة، وبحاجة إلى مزيد من جرعات برامج الحزب الديمقراطي، التي تعتمد على تصعيد الضرائب، وتقوية الطبقة المتوسطة، وتحقيق دولة الرفاه، ودعم الضمان الاجتماعي، وزيادة عدد الموظفين، وعمل دؤوب على الحد من معدلات الجريمة. الاقتصاد الأمريكي، ومعه الاقتصاد العالمي، لا يحتمل عودة الجمهوريين إلى السلطة في الانتخابات القادمة. فأمامنا أزمات اقتصادية حادة، في اليونان وإسبانيا والبرتغال، وسلوفاكيا وإيرلندا، فضلاً عن عدد كبير من بلدان العالم الثالث، التي يعيش الملايين من أبنائها تحت حد الفقر. يضاف إلى ذلك، أن دورة التضخم الاقتصادي بالولايات المتحدة الأمريكية، لم تبلغ ذروتها بعد، وهي بحاجة لكي تكتمل، لدورة رئاسية أخرى، على الأقل. وصول الجمهوريين إلى سدة الحكم، في الدورة المقبلة، معناه انخفاض للضرائب، وتقليل لاستحقاقات الأغلبية من الأمريكيين، وطرد مئات الألوف من وظائفهم، واستنزاف أكبر لدافعي الضرائب لمصلحة كارتلات السلاح. والنتيجة ستكون عودة ارتفاع معدلات الجريمة، وتدني قطاعي الصحة والتعليم، وإقفال ملايين المؤسسات الصغيرة. لكل هذه الأسباب، لا يتوقع وصول جمهوري إلى سدة الحكم في الدورة الرئاسية القادمة. وما يلوح حتى الآن هو أن الرئاسة ستكون من نصيب الديمقراطيين، والأغلب أنها ستكون مقاسمة بين شخصين، هما نائب الرئيس حالياً جوزيف بايدين ووزيرة الخارجية السابقة، هيلاري كلينتون، ما لم تحدث مفاجآت تغير هذا التوقع، لكن هناك شبه استحالة لعودة الجمهوريين.

مشاركة :