اعتمدت روايات المحدثين خلال القرون الأول والثاني والثالث على دقة السير وضبط الرواية والرحلة للتثبت من صحة الخبر وصدق الرواية. وجاء جملة من المؤرخين وكتاب السير فنحو نحوهم بضبط الرواية وصدق الخبر بسلامة السند الموصل إلى المتن سلامة بينة. وهذا السبيل سلكه بعض أهل الأدب والثقافة من هؤلاء وهم قليل ابن قتيبة لا سيما في كتابه: (عيون الأخبار)، وأبو علي القالي في كتابه: (الآمالي)، وابن الأثير في كتابه: (الكامل)، وكذا ابن حزم في كتابه (المحلى) مع ما ضمنه فيه من أحكام الشريعة وفقه العبادات لولا أنه متشدد في هذا. والرواية في أصلها خبر وسيرة وأثر لكنها كلها تفتقر إلى الصدق ولا يكون هذا إلا بوافر صحيح صادق من صحة السند، ولهذا لم يعر المؤرخون والإخباريون كل كتاب أهمية ولم يلتفوا إليه ما لم يثبت مؤلفه الرواية مما يرويه ويورده في كتابه، وتساهل بعض المعاصرين في السند وضبط الأخبار وأن السند يعرقل الروايات والقصص، هذا ليس صواباً، فلو أن أحداً ما قرأ مثلاً كتاب أدب كبير من عدة أجزاء أو كتاب تاريخ كذلك وأيقن تماماً بصحة كل ما جاء في هذا وذاك من الروايات/ والأخبار/ والقصص/ ثم بعد ردح من الزمن ارتفع همه قليلاً وأراد اختبار هذه الروايات والأخبار والقصص هل هي صحيحة؟ هل هي واقعة فعلاً؟ فذهب يبحث عن سند الروايات ... التي يبحث عنها في كتب (الجرح والتعديل) وكتب (أحوال الرواة) فوجد أن ما قرأه على سبيل المثال في كتاب (الأغاني) أو (روايات جرجي زيدان) لم تصح وإنما تم رصفها وإيرادها كخبط عشواء أو كحاطب ليل لقرع سن نادم. ولهذا تنبهت كثير من الجامعات والمجالس والهيئات العلمية فلم تقبل شيئاً من الرسائل العليا ولا الدراسات الروائية ولا البحثية ما لم يتم توثيقها من خلال السند بذكر سلسلة الرواة وترجمة مؤلف الكتاب ومن يكون، وقارن مثلاً بين (عيون الأخبار) وكتاب (العقد الفريد) أو بين كتاب (البيان والتبيين) وكتاب (الشعر والشعراء). وينطبق هذا على كتاب (مروج الذهب) وكتاب (سيرة ابن هشام) فالأول فيه من: الروايات والأخبار ما لم يصح كثيراً منها أبداً وهذا ينطبق على واقع كثير من (أخبار الدول) الحديثة، فشبه الجزيرة العربية كل كتب حولها ولكن لا يصح إلا الصحيح، ولهذا نجد المغرصنين يشوهون الصورة بملفات وروايات مُزيفة وبروايات المقصود منها النيل فقط والإساءة فقط ولو جادلت واحداً من هؤلاء لتشتت ذهنه وجادل بالباطل دون شاهد أو دليل يقوم، والقصد من هؤلاء فهم يقصدون لمس الحقيقة بأوراق أملاها عليهم قوم آخرون، لكن لا يثبت ولا يكون إلا ما تعرقت أصوله ونبتت فروعه لا يثبت ولا يكون إلا الحق. وهم حين يُريدون استهداف(المملكة) والنيل منها إنما يكتشفون عن عوارهم ويكشفون عن وزورهم، من أجل ذلك (فشبه الجزيرة العربية) معروف أمرها وساستها منذ أقدم العصور، وهنا تسقط معادلة القوم وتسقط أقوالهم بصحة الروايات الخالدة، وغلبة الهوى مشكلة وغلبة الضعف مشكلة كذلك، وإلا فلو تحرر الإنسان من الضعف الأدبي وتحرر من الضعف الأخلاقي لوجد حقيقة القول في أصول وفروع العقلاء الذين يحكمون أغلب (شبه جزيرة العرب) اليوم منذ ما يزيد عن 300 ثلاثمائة عام، من أجل ذلك فإن التثبت والتروي وصدق التوجه والنزاهة، كل ذلك حري بصاحبها أن يكون حراً في آرائه وكتبه ولقاءاته وأخباره.
مشاركة :