من الفئة الباغية .. إلى الفئة المغالية

  • 8/12/2015
  • 00:00
  • 12
  • 0
  • 0
news-picture

< يقول المعجم الوسيط في تعريفه كلمة «غلو» ما يأتي: «غلو في الدين‏: أي المغالاة والمشقة وتحميل النفس ما لا تطيق‏». هذا التعريف «المخفف» والبسيط، هو ما يريد بعض المتلونين المتكسبين تمريره بخباثة ولؤم على المجتمع، فعندما يقوم «كفلاء داعش» بالبحث في معاجم اللغة عن أكثر الكلمات والتعريفات التباساً، فهم لا يبحثون عن التعريف العلمي للحال الـ«داعشية»، بل لكي يمنحوا أبناء «داعش» «قبلة الحياة»، بعدما ضاق الناس بـ«داعش» وكرهوا فعلها وإرهابها، إنهم القتلة المستترون ودماء أبنائنا في أيديهم. وللأمانة فهم لديهم المصنع الرئيس لابتكار الأوصاف وتمريرها على عقول العامة، من دون أن يُقبض عليهم متلبسين، من أجل استلابهم والقضاء على قدرتهم على التفكير أو الرفض أو التمييز. هذه ليست المرة الأولى التي يقوم فيها «المخادعون» باختطاف قضية وطنية، وتوضيبها وإطلاق أوصافهم المخففة عليها، ثم إعادة تدويرها في المجتمع لكي تصبح أكثر قبولاً، إنه أسلوبهم المميز والمتكرر في الخديعة الكبرى. ففي عام1980، عندما قام جهيمان وجماعته الإرهابية بجريمتهم النكراء باحتلال بيت الله الحرام، تلك الجريمة التي صدمت المجتمع في أغلى وأقدس أقداسه «الحرم المكي الشريف»، بقيت مجموعة من «المنتظرين الأفاقين» مترددين متململين، قبل أن يحسموا أمورهم بالانضمام إلى الدولة والمجتمع المصطف مع وطنه. لكنهم وقبل انضمامهم إلى جموع الرافضين، أطلقوا على جهيمان وجماعته وصف «الزمرة الباغية»، فلماذا يا ترى؟ بالطبع هم كانوا ينتظروا أن ينتصر جهيمان ومجموعته لكي يعلنوا انضمامهم إليهم، لكن وقوف المواطنين مع دولتهم، وهزيمة الجهيمانيين، أجبرهم على الانحياز إلى الدولة في تكتيك درجوا عليه. هذا الأمر تكرر عام 1990، عندما اهتز الوطن مع احتلال العراق للكويت وتهديده وجود السعودية، وكالعادة اصطفوا بداية الأمر ضد وطنهم وحكومتهم، واخترعوا الأوصاف والقصص، وأصدروا أشرطة الكاسيت بشعارات وعناوين «فاجرة في الخصومة»، كان من أبرزها شريط «سقوط الدول». وأسقطوا الملاحم الكبرى على تلك الفترة، وشككوا في القيادة وقراراتها، وألبوا الشارع، ثم ما لبثوا أن انقلبوا كالحرباء. وفي الحرب الأميركية على طالبان والقاعدة بعد أحداث الـ11 من أيلول (سبتمبر)، التي ارتكبها ابنهم البار الإرهابي أسامة بن لادن، وقفوا ضد السعودية، وألبوا عليها، وحملوها جريرة لم ترتكبها. لكن أكبر جرائمهم في حق وطنهم كانت وقوفهم في منطقة رمادية من العمليات القتالية المريرة التي قامت بها القاعدة وغلمانها ضد السعودية بدءاً من عام 2003، فقد هيئوا المناخ العام، بإطلاق شعار ووصف آخر من أوصافهم الملتبسة، «اخرجوا الكفار من جزيرة العرب». لم يكن الهدف تحقيق وصية مختلف عليها، وعلى تحديد مكانها فقهياً، بل كان إخراج القوات الأميركية من قواعدنا، بعدما كانوا حلفاء مهمين، يساعدون في التدريب وحماية وطننا. وعلى رغم خروج القواعد باتجاه الشرق، وبمسافة 400 كيلومتر فقط، وفي جزيرة العرب أيضاً، إلا أن المصطلح اختفى فجأة من الشارع السعودي ومن أفواه «كفلاء الغلاة»، لأنه أدى غرضه بفك التحالف السعودي الأميركي، بهدف الانفراد بالمملكة مستقبلاً، وإبقائها وحيدة في مواجهة المشروع الحركي الانقلابي. ولعلنا نتذكر تصريحات أحد الوعاظ المشهورين جداً، عندما طالب بعدم التسرع في إطلاق ما أسماه التهم ضد غلمان القاعدة، ثم ما لبثوا أن طالبوا الدولة بعدم إطلاق صفة إرهابيين، وسموهم «الفئة الضالة». اليوم أيضاً مع العمليات القتالية الإرهابية لـ«داعش» في المملكة، يخرج «كفلاء الغلاة» الواقفون في تلك المنطقة الرمادية، ليصفوهم أول الأمر بأنهم «إخواننا بغوا علينا»، وأخيراً يصفونهم اليوم «بالغلاة». هكذا يستمر خونة الوطن من كفلاء جهيمان والقاعدة وطالبان وحتى «داعش» اليوم، يختطفون قضاياه، ويخلقون منها مغذيات مالية وبشرية، ومراكز نفوذ، لكي يضمنوا أن لا يقضي أحد على الإرهاب، أليسوا هم الكفلاء والمناصحون والمطلقون والقيمون عليه؟ يجب أن نعي جيداً، أن صناع الشعارات الوهمية، غذوا الشارع بأول التسميات المموهة، التي تمرر المشروع ولا تقضي عليه، فسموا «الجهيمانيين» بالزمرة الباغية، و«القاعدة» بالفئة الضالة، واليوم يسمون الـ«داعشيين» بالفئة المغالية، لكي يستمر تمرير المشروع حتى يتحقق بحسب أحلامهم يوماً ما.

مشاركة :