الجمال منا وفينا

  • 8/13/2015
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

كثير من لحظاتنا في الفترة السابقة قضيناها في أجواء مشحونة بردود أفعال غاضبة على ما يحدث حولنا داخل البلاد وخارجها من أصحاب العقول التي تنضح بالشر قولاً وفعلاً، عقول تفجرت ففجرت.. ونشرت الخوف والغضب وأسالت الدماء وألحقتها بالدموع وحرقة القلوب. رفضنا الأشخاص وأفعالهم وشاركنا كثير من الناس في رفضهم وترددت الأصداء في العالم من حولنا عن المتشدد السعودي، وذلك السعودي الذي لا يهتم بالقوانين والأنظمة أينما حل ورحل.. وغير ذلك من الصور المزعجة التي تتعاظم من حولنا بالمقالات والهاشتاقات والتقارير التلفزيونية وكأن بلادنا لا تصدر إلا كل مشين مع أن هذا القبح بكل صوره لا يشكل شيئا يذكر مما نعلمه جيدا عن شبابنا الذين يحملون أرواحاً جميلة تعينهم على أفعال أجمل. ومن النماذج الجميلة التي أعلنت عن نفسها وفعلها برز مشاري الأحمري شاب في العقد الثاني من عمره يدرس الإعلام ويعمل في الوقت نفسه كموديل لبعض الإعلانات. رأيت له صورة يرتدي فيها الجينز ويضع الشال حول رقبته ويخفي عينيه بالنظارة الشمسية وهذا قد يجعل بعضنا يحكمون عليه بالسوء! أو يشككون في نواياه بسبب ذلك الشكل.. ولكن مشاري صنع ما لم يصنعه أو يفكر به كثير من أصحاب الأشكال ذات السمت الحسن المتعارف عليه والتي نثق بها مبدئيا من مظهرها. مشاري اقتطع جزءا من كبده لتحيا به طفلة صغيرة لم يسمع بها من قبل أن يرى والدها المرابط على الحدود الجنوبية وهو يطلب التبرع لابنته التي أعياها المرض.. وشاء الله أن يكون مشاري هو الشخص المناسب ليدخل غرفة العمليات ويقدم عطاء انسانياً من النوع الفاخر والثمين الذي يستجيب لقوله تعالى (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً) بعد أن ضاقت النفوس بأعمال من قتل نفساً بغير نفس وتسارعوا للافساد في الأرض (فكأنما قتل الناس جميعاً)!! ومشاري أخ بالوطنية لحسام زواوي وهو سعودي آخر زينت صورته إحدى اللوحات الإعلانية الضخمة في أحد شوارع استراليا وهي تعلن عن شاب من المبتعثين السعوديين لجهوده المتميزة في مجال البحث العلمي، حسام هو أحد المبتعثين الذين نال منهم بعض خبثاء الأرواح ممن لا يرون في الابتعاث إلا الشر، ولا في المبتعث إلا الفساد، وكل الأسوياء يعلمون جيداً أن معظم ما يقال عنهم هو محض افتراء وبأن السيئ سيئ في الداخل والخارج والعكس صحيح. حسام زواوي بعلمه وأخلاقه ووعيه استطاع أن يضع بصمته (ويصنع التغيير) كما تقول تلك اللوحة التي ارتفعت على جانب الطريق ورفعت نموذجاً جميلاً ومشرقاً لواحد من شبابنا الذين نركز على مساوئهم بطريقة مبالغ فيها وننسى أو ربما نمر مروراً سريعاً على حسناتهم. وما كانت الجامعة التي ينتمي لها حسام هناك ستفعل هذا لولا أنه قدم جهداً جباراً بارك الله فيه ونفع به. كنت أتابع تميز هذين النموذجين وأتساءل عن شغفنا الغريب في التعليق على المساوئ حين تصدر من أحد منا ونتكلم عنها بكثرة في مجالسنا وأجهزتنا وتقاريرنا الصحفية وبرامجنا التلفزيونية ونندب حظنا لوجود تلك النماذج السيئة بيننا أو اساءتهم لصورة المواطن السعودي في الخارج، ولكن عندما يتعلق الأمر بالجمال والعقل وحسن التصرف نلتفت ونقول ما شاء الله ثم نمضي سريعاً.. ليس كأفراد فقط بل كمؤسسات أيضاً.. فماذا لو خصصنا في كل مدينة لوحة ضخمة يتوسطها اسم أحد شبابنا المبدع من الجنسين وما قدمه من عمل أو نجاح أو تميز في أي مجال كان، فلدينا نماذج كثيرة مشرفة وجميلة بروحها وفعلها اذا التفت إليها بعضنا غابت عن بعضنا الآخر، فلعل هذه اللوحات تنبهنا إلى عدم المغالاة في التركيز على المخطئين والتافهين والمتحرشين.. دعونا نركز على الجميل لا على القبيح. ولعل هذه النماذج المشرفة تكون نقطة تغيير في حياة غيرهم.. تلهمهم الصواب وتفتح لهم أبواب الأمل والعمل والفلاح.

مشاركة :