السلطة التقديرية للقاضي في تحديد نفقة الأبناء بعد الطلاق

  • 11/8/2020
  • 01:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

يُعدّ الإقبال على الحياة الزوجية من القرارات المصيرية، باعتباره الخطوة الأولى نحو تكوين الأسرة، ولكن ماذا لو لم تنجح هذه التجربة؟ وما هو مصير حقوق الأبناء الناتجين عن عقد الزواج؟وإذ أكدت الفقرة الرابعة من المادة (23) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أن تتخذ الدول الأطراف في العهد التدابير اللازمة لكفالة الحماية الضرورية للأولاد في حالة وجودهم إذا انحلّت الرابطة الزوجية، ومثلها الفقرة (أ) من المادة (5) من دستور مملكة البحرين بنصها على أنه: (الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق وحب الوطن، يحفظ القانون كيانها الشرعي، ويقوي أواصرها وقيمها، ويحمي في ظلها الأمومة والطفولة، ويرعى النشء، ويحميه من الاستغلال، ويقيه الإهمال الأدبي والجسماني والروحي...).ويُعدّ الأطفال قانونًا من الفئات ذات المراكز القانونية الضعيفة بحكم حداثة السن ونقص الإدراك والضعف الجسدي.. الخ، لذا فحمايتهم وصون حقوقهم ضرورة تقتضيها طبيعتهم الغضّة، والبحث في حقوق الأطفال في محيط الأسرة، موضوع ذو شجون وقد يكون موجعًا أحيانًا، بالأخص عند طرح ما قد يعانيه الطفل بعد انتهاء علاقة والديه الزوجية من أضرار مادية ومعنوية ونفسية، ولا سيما إن كانت متعمدة من أحد أصوله، فما زالت هناك شريحة من الأزواج والزوجات يستخدمون أطفالهم، كحبّات قمحٍ تُدار عليها رُحى نزاعاتهما الزوجية في مرحلة إجراءات الطلاق وبعد وقوعه، وتفاصيلها كثيرة جدًا، سيقتصر هذا المقال على مناقشة (حق الأبناء في النفقة الشرعية).فقد نصت المادة (46) من قانون أحكام الأسرة رقم (19) لسنة 2017 على أن النفقة حق من حقوق المُنفق عليه وتشمل الطعام والكسوة والمسكن وما يتبع ذلك من تطبيب وخدمة وغيرهما مما يقتضيه العرف، فالإنفاق قد تقرر للأبناء نظرًا إلى عدم قدرتهم على التكسب في مرحلة من عمرهم، كما نصّت الفقرة (أ) من المادة (47) بأن النفقة تقدّر بالنظر إلى سعة المنفق وحال المنفق عليهم، مع مراعاة الزمان والمكان والأعراف، فهذه المادة قد منحت للقاضي الشرعي سلطة تقديرية في تحديد النفقة المقررة للابناء قوامها سعة المنفق وملاءته المالية وحال المنفق عليهم (عدد الأبناء، جنسهم، أعمارهم.. الوضع الاجتماعي..الخ).وغالبًا لا يتّفق المطلقان على مقدار نفقة الأبناء، فيُنقل النزاع إلى القضاء وإلى إعمال السلطة التقديرية للقاضي الشرعي، الذي سيكون أمام تحديّين أحدهما التحقق من سعة المُنفِق والآخر حماية حق الأبناء في العيش الكريم والموازنة بين هذا وذاك ليس بالأمر الهيّن، إذ يتعلق بحقوق الأبناء وتنسحب عليهم آثاره، وقد استقر القضاء في الأحوال العادية (غير أحوال ذوي الملاءة المالية) على الحكم بنفقة تتراوح بين (35) و (60) دينارا في الشهر للابن الواحد تزيد قليلاً أو تنقص بحسب الأحوال، وهو مبلغ كان زهيدًا وزاد في ظل المتغيرات الاقتصادية الحالية، وقد يعود سبب الحكم به للمُنفق، فقد يلجأ بعض الأزواج إلى اثقال ذمته المالية عمدًا بقروضٍ بنكية نكاية بالزوجة، كي يظهر أمام القضاء بصورة المُعسر، ليحقق نصره في الإضرار بطليقته، بينما يقع الضرر الحقيقي على الأبناء، والسؤال هو: ما مدى كفاية هذه المبالغ؟ وما الذي ستغطيه من احتياجات الطفل الحقيقية؟ وماذا إن كانوا أبناءً عِدّة!.والحقيقة إن مبلغ نفقة كهذا، قد يضع الأبناء على حد خط الحاجة، وهو خطر تكابده كثير من الأمهات الحاضنات، ويستوجب التفاتة حقيقية من الجهات المختصة مجتمعة لانتشال هذه الفئة مما تعانيه، ولنا في هذا الصدد بعض المقترحات عسى أن تكون ذات فائدة وهي كالآتي:أولاً: ضرورة إجراء دراسات رسمية تحدد بشكل عام احتياجات الأطفال المادية وتكلفتها، في مراحل الطفولة المختلفة لتكون مرجعًا ودليلاً تستند إليه المحاكم وذوي اختصاصٍ عند الحاجة، تعزيزًا وحماية لحقوق الطفل.ثانيًا: حيث إن الإنفاق على الأبناء هو واجب الآباء، فإننا نرى ضرورة توعية المقبلين على الزواج بهذا الواجب وبأن نهاية الزواج لا تعني بداية إعلان الحرب، ليتمكنوا من الموازنة بين قدرتهم على تحمل كلفة تكوين الأسرة والإنفاق الشرعي في حال استمرار الزوجية أو انحلال رابطها، وبين عدد الأبناء الذي يستطيع إعالته في كلتا الحالتين بشكل يحفظ كرامتهم الإنسانية ويمكّنهم من الحصول على مقومات الحياة الكريمة.ثالثًا: تعديل الفقرة الأولى من المادة (47) من قانون أحكام الأسرة لتكون كالآتي: (تقدّر النفقة بالنظر إلى سعة المنفق وحال المنفق عليهم، مع مراعاة الزمان والمكان والأعراف، بحدٍ أدنى لا يقل في أي حال من الأحوال عن (70) دينارا لكل طفل) بحيث تكون السلطة التقديرية للقاضي الشرعي فيما يتجاوز هذا المبلغ إذا أثبتت الحاضنة أو المُنفق عليه السعة المالية للمُنفق.رابعًا: الزام البنوك العاملة في المملكة بإنشاء وحدة بحث اجتماعي، في سبيل تنظيم وضبط عملية الاقتراض لتكون مشروطة ببحث اجتماعي يوضّح الحالة المادية والاجتماعية لطالب القرض، وعدد من يُعيلهم والتزاماته المالية الأخرى، بحيث لا يترتب على القرض اعسار المقترض وعدم قدرته على الوفاء بالتزاماته الرئيسية الأخرى تجاه من يُعيلهم.

مشاركة :