ثقافة الحوار أسلوب الحياة الذي يُفترض أن يكون سائداً في الأسرة بين الآباء والأبناء ليكون عاملاً مُدعّماً للتفاهم وركيزة أساسية للانسجام والتعايش والاتفاق على صيغة تقبّل الآخر وأفكاره وثقافته واحترامها مهما كانت متناقضة مع أفكارنا وصولاً إلى صيغة تقارب في الأفكار يسهل مجريات الحياة اليومية ويحمي التفاهم بين أفراد المجتمع. ومن هذا المنطلق نرى ثقافة الحوار تؤسس لعلاقة حميمة ناضجة العناصر وثيقة بين الآباء والأبناء ، علاقة يخيم عليها التواصل والتفاهم، ويتعلم الأبناء خلالها أساليب المناقشة الهادئة المريحة البعيدة عن العناد ، وتتعمق لديهم قناعات اجتماعية إيجابية تؤهلهم للتكيّف مع المجتمع. تواجه البيوت الآن أزمة تراجع لغة الحوار، ويكاد لا يكون هناك أي تفاهم بين أفراد الأسرة ، وعند سماع حوار بين الوالدين من جهة والأبناء من جهة أخرى ، يكون أمراً ونهياً ونقداً من قبل الوالدين ، وغضب وصوت مرتفع باستمرار من قبل الأبناء ، فلا أحد يستمع للآخر، بعض الآباء يرفضون مبدأ الحوار مع أولادهم بحجم فرق السن الكبير فيما بينهم ما يجعل الطرفين غير قابلين للتفاهم ، ويوجد صعوبة في الفهم والاستيعاب وعدم احترام بعض الأبناء لآبائهم بسبب الصحبة السيئة والتأثيرات السلبية من المجتمع المحيط بهم. الآباء أكثر وعياً وأكثر حاجة إلى التحاور مع أبنائهم لتهذيب سلوكهم وغرس القيم النبيلة فيهم ، وإبعادهم عن السلوكيات الخاطئة والأقوال البذيئة ، حتى يضمن المحاور نجاح الحوار وتحقيقه للأهداف المرجوة يجب احترام مشاعر الأبناء وأفكارهم مهما كانت متواضعة ، والانطلاق منها إلى تنميتها وتحسين اتجاهات الأبناء. عندما يبدأ أحدهما الحديث مع الأبناء ، عليه التجرد من كل تعصبه لآرائه، فإذا كان يرغب في الوصول إلى الحوار الناجح بينه وبين أبنائه ، يجب عليه كسر المرايا التي صنعها لنفسه وأن يسلم بخطئه إذا كان مخطئاً ويدور مع الحق أينما دار ويلغي لا في نهاية الحديث ، لأن كلمة السر في أي اتفاق نعم ، كلمة سحرية تنزع سلاح الطرف الآخر وتقلل الفجوة وتوثق الصلة ، وتجعل فرص الخير أفضل وتشعر الطرف الآخر أنه على الاتفاق معه ، ومن هنا ستفتح الأبواب على مصراعيها بين المتحدث وبين أبنائه ، مع حمل راية الرفق والحنان. هل فرق السن سواء كان كبيراً أم صغيراً يؤثر في لغة الحوار بين الأهل والأبناء وممكن أن يصعب عملية التفاهم ويظهر خلافات فيما بينهم؟ تقول زينة عمر: ربما تحدث خلافات بسبب فرق السن بين الوالدين والأبناء ولكن برأيي ستصبح أقل بوجود فرق كبير إلى حد ما نظراً لوجود طرف مسؤول وقادر على استيعاب الأبناء وما يمر بهم من مصاعب وأحداث مختلفة. تعتقد نور عكرمة أن صغر الفارق العمري بين الأم وبنتها يقرب من علاقتهما ويوائم أفكارهما أكثر ، ولكن على الأم المحافظة على اتزانها وقدرتها على التحكم في ابنتها بالطريقة المقبولة فلا تهوّن لها كل شيء ولا تحرمها من كل شيء وبالتالي تستطيعان مواكبة الحياة العصرية بالحدود المتعارف عليها. ترى ياسمين رويشد أن كل حالة تختلف عن الأخرى وأن فرق السن لا يؤثر بالضرورة في لغة الحوار والتفاهم بين الأهل والأبناء ، مع ذلك ينعكس على كيفية اندماج الأم مع طفلها ومستوى مشاركة الوالدين في حياة أبنائهم وكلما كان فرق السن أقل كلما كانت فرصة الحوار والتفاهم أعلى. يقول عبد الرحمن أبو عواد: ليس من الضروري أن تحصل خلافات بسبب فرق العمر، من الممكن أن تصعب عملية الحوار بسبب عدم اتفاق الطرفين على شيء ما ، فاحترام الأبناء لوالديهما ربما يرغم الأبناء على الخضوع لرأي الوالدين ، من الممكن كذلك أن يكون السبب اختلاف طريقة تفكير الأبناء عن الوالدين. تعتقد دينا بركات أن فارق السن الكبير بين الأم وابنتها ربما يؤدي إلى عدم تفاهم الطرفين نظراً لاختلاف الاهتمامات لدى كل من الجيلين ، ولكن فرق العمر الصغير يؤذي العلاقة أيضاً إذا كانت الأم لا تقوم بدورها وتميل للصداقة أو الأخوة أكثر من الأمومة ، وترى بركات أن فرق السن المثالي يتراوح بين 25-20 حيث تكون هناك درجة من التفاهم بين الأم والبنت كما تكون الأم أكثر وعياً به. يقول أحمد حامد: فرق السن إذا كان كبيراً أو صغيراً لا يؤثر في لغة الحوار والتفاهم بين الأهل والأبناء ، بالعادة درجة الوعي والفهم عند الوالدين أعلى من الأبناء ، فكلما كان الأهل أكثر تفهماً لعقلية أبنائهم كلما كانت عملية الحوار أسهل. تقول أماني عبد الغني: معظم الأحيان الاختلاف في العمر يولد اختلافاً في طريقة التفكير ، في بعض الحالات يكون الأب متفهماً وتفكيره راقياً وينزل أحياناً لمستوى تفكير ابنه ليفهمه ويستوعبه بالرغم من فرق السن. ترى نورة عثمان أن فرق السن ليس مهماً بقدر أن يكون الأهل واعين ويربوا أولادهم على أسس تربوية ودينية صحيحة ، يجب أن تكون لغة الحوار مبنية على التفاهم والاحترام بين الطرفين بغض النظر عن السن. تقول دارين محمد: من الطبيعي وجود خلافات بين الآباء والأبناء ، حيث إن الأهل عاشوا في زمان غير زماننا ولهذا فإن سلوكهم وطريقة تفكيرهم حتماً سيكونان مختلفين عن سلوك وتفكير أبنائهم ، وهنا تنشأ الخلافات حيث يريد الأهل فرض آرائهم التي يراها أبناؤهم مملة. يقول محمد ريماوي: إذا كان فرق العمر كبيراً بين الأهل والأبناء لابد من وجود خلافات في الحوار من حيث اختلاف وجهات النظر وطريقة التفكير ، لتقليل وجود الخلافات لابد للأهل من استيعاب طريقة تفكير أبنائهم. تؤكد حنان محمد بصفتها والدة: من الممكن أن يحصل خلافات بسبب فارق السن لأن وجهات النظر مختلفة وخبرة الوالدين أنضج من الأولاد ما يجعل تقريب الأفكار ولغة الحوار بين الطرفين صعباً. يقول خالد سليم بصفته والداً: إذا كان الفرق كبيراً تكون النظرة للأمور مختلفة ولكن الولد يستطيع أن يراعي ويتقبل رأي الأبن في بعض الأحيان بينما البنت تحاول فرض رأيها وتكون الخلافات أكثر بينها وبين أمها ، أما إذا كان الفرق قليلاً فلغة الحوار أسهل والخلافات أقل. تقول نجاة محمد بصفتها والدة: الفرق سواء كبيراً أم صغيراً لا يؤثر في لغة الحوار ولكن من الممكن أن تحدث خلافات عند تباين وجهات النظر، حيث إن الأبناء لا يقدّرون خبرة الوالدين في الحياة ، تضيف نجاة: خبرة الأهل لها دور كبير في تقليل الخلافات في الحوار وفهم عقلية أبنائهم. يقول عمر أحمد بصفته والداً: إن فرق السن سواء كان كبيراً أم صغيراً بقدر ما أن الوالدين يستوعبان عقلية أبنائهم ومستواهم التفكيري ، ممكن أن تحدث خلافات عند اختلاف وجهات النظر بين الطرفين. الفارق ليس معياراً أساسياً تقول فاطمة السجواني ، أخصائية نفسية: لكل أمر يوجد لغة للحوار حسب النضج العقلي والاجتماعي والفهم وكلما تقلص الفارق بين الطرفين كلما كان ذلك أدعى لسهولة لغة الحوار، على الرغم من أن فرق السن ليس المحك الأساسي للحوار إنما مستوى النضج الاجتماعي عند الأهل والأبناء. وتضيف: من الضروري تشجيع الأبناء على الإفصاح عما يجول في خواطرهم من أفكار وتساؤلات مهما كانت صغيرة أو غير مهمة ، لأن الأهل أقدر على تقديم الإجابات السليمة من غيرهم ، والابتعاد عن حوار الأوامر، فهو يتميز بأنه قصير ويأتي من المربي بصيغة الأمر أو النهي ، أفعل أو لا تفعل بصورة مباشرة أو غير مباشرة ، بهدف المحافظة على النظام أو تفادي مرحلة الخطر ويستجيب له الأبناء وربما لا يكون أحدهم مقتنعاً بما فعل ، أو لا يفهم لماذا ينفذ هذا الفعل أو يمتنع عنه. أكدت فاطمة على أهمية منح الصغار والكبار من الأبناء الشعور بأهميتهم ، ومنحهم الثقة بأنفسهم من خلال إسناد بعض الأعمال والمسؤوليات لهم ، بما يتناسب مع أعمارهم وإمكاناتهم ، والاهتمام بالموضوعات والأحاديث التي يحبها الأبناء ويسعون لها ، لأن ذلك يجعلهم يشعرون بمشاركة الأهل لهم في كل شيء ، كي يعرفوا أن الوالدين يريدان إدخال السرور على نفوسهم ويريدون إسعادهم ، ما يجعل الحوار ناجحاً أيضاً عدم إغفال المقترحات والأفكار ، وتقديرها طالما لا تخل بالأخلاق ولا تتنافى مع التعاليم الدينية. تدعو السجواني إلى بناء جسور الثقة المتبادلة بين الآباء وأبنائهم ، بحيث تعتمد على غرس انطباع إيجابي عندهم ، يفضي إلى تعريفهم حجم المحبة والعواطف التي يكنها لها آباؤهم ، فلا بد أن يشعر الأبناء بمحبة الوالدين ، وسعيهما لمساعدتهم والتضحية من أجلهم ، وكي يفتح باب الحوار بشكل طبيعي وصحي من المهم أن يحسن الإصغاء والاستماع لمشكلاتهم ، لأن ذلك يتيح للأم أو الأب معرفة المعوقات التي تحول بينهم وبين تحقيق أهدافهم من أجل مساعدتهم. تفهم طبيعة المرحلة العمرية تقول نجيبة الرفاعي، اختصاصية اجتماعية وتربوية: المرحلة العمرية للأبناء تعتمد على وعي الآباء، وإن فرق السن لا يؤثر في لغة الحوار والتفاهم إنما يعتمد على فهم الأبوين للمرحلة العمرية للأبناء واستيعاب عقليتهم وتقبل وجهات النظر المختلفة للطرفين وعدم فرض الآراء. وتضيف: مشكلة بعض الأهل في التربية أنهم يربون الأبناء على الطريقة نفسها التي تربوا عليها قديماً، ممكن أن تكون ناجحة ولكن هذه الجيل مختلف، وبالأخص أن الأهل لم يعودوا المصدر الوحيد، بل أصبحت هناك تكنولوجيا وقنوات. ولسهولة لغة الحوار بين الأهل والأبناء يجب إعطاؤهم فرصة للتعبير عن رأيهم وتفهم طبيعة المرحلة العمرية، وعدم إعطاء الأبناء الحرية الكاملة لكي تظل حكمة الأهل وخبرتهم في الحياة على تجنب الأخطاء، ويجب على الأهل تفهم الأبناء وعقلياتهم لسهولة عملية الحوار فيما بينهم.
مشاركة :