محمد زكريا يكتب: الأبليس المتأنق

  • 11/10/2020
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

كانت ثملة والساقى يحمل إليها الكأس بعد الكأس، ويشعل لها السجائر واحدة بعد أخرى، وهى تهمهم فى صوت أجش خافت بكلمات أغنية سوقية غامضة، وربما رفعت كأسها فى راحتها وتأملتنى بنظرة تجمع بين الابتسامة الخفيفة والحياء الغريب والدعوة المستورة..المفضوحة..امرأة تجاوزت زهرة العمر، لم تبق لها الليالى من حسنها الغابر الا شارات محزنة كأنها اطلال المجد القديم، طلعت لى من وراء البار العتيق فى تلك الحانة الصغيرة، فى ليلة قديمة كنت فيها منطويا على نفسى ،،أجتر فى  سأم هموم شباب عاصف شقى، وكنت أنا أيضا، فى تلك الليلة اشرب بنهم ..وبلا لذة ..وكانت الكأس التى أشرب بها لطيفة فى تكوينها كأنها لحن متجسد، ولكن روحى متيبسة متصلبة لا تريد أن يمسها سرور صادق..لكن المرأة السكرى بدأت تفصح فى اشاراتها كأنها وجدت فى اعراضى عنها تحديا صامتا لا تقوى على السكوت عليه..ثم نهضت فجأة والكأس فى يدها ومضت إلى مكانى مشية الخريف المقبض، ووقفت عند مائدتى واستندت عليها بيدها الفارغة ثم لوحت فى وجهى بالكأس: وحيد حزين؟تأملت وأنا جالس كل شخصها المنفر، قبل أن أرد على سؤالها الأحمق فى إيجاز باتر: وحيد حرص على وحدته!قالت فى صوتها الخشن الخافت : تجلس هكذا كالابلة فى حانة؟وجلست بغير استئذان علي الكرسي المواجه لى ..وضعت كأسها امامى ..وجهدت حتى احتفظت بسكينة نفسى..ولم اتكلم..هل انت أصم؟أخرس؟ حزين على حبيبة عاصية خانتك؟قلت لها : الوحدة المطلقة التى انشدها هى كل عيبى.صمتت لبرهة من الوقت وقالت انى اعرف هذا الصنف من الرجال..انت تصر على الصمت!ولكنك لم تسمع عنى انا شوق اللومانجية ليس فى البلد من لم يسمع عنى.لم أسمع عنك ولا أريد أن اسمع أن حياتك دعارة . ابتسمت..لم تقهقه كعادتها..ابتسامتها حزينة قالت:من ثوانى قلت لى أن حياتى دعارة..ولكن لم تسألنى من دفعنى إلى هذه الحالة..من هو جلادى ..الابليس المتأنق..الذى يرتدى القميص المنشى والكرافتة.أنه هو دائما خلف كل امرأة تعيش حياتها غلط ..ليس هناك امرأة واحدة فى العالم تهرب من الحب..من الجنة.لترمى نفسها فى الوحل.عندما يحبوننا يرفعوننا إلى مصاف الملكات..وعندما يجد ملكة أخرى تستهويه..لا مانع من أن يدوسها بقدمية بكل قسوة.فينزعها من فوق عرشها..يتركها تتكسر فى داخلها..تفقد نفسها.ثقتها بجمالها .. تتآكل حتى يصبح داخلها عفنا فاسدا،لا يفوح منها إلا الحقد والكراهية، ورغبة شديدة فى الانتقام،،صحيح بعضهن تسكت على خياناته.تعيش معه،يقال عنها انها امرأة بلا كرامة..ولكنها فى الحقيقة بلا حياة ،نصف ميتة.ولكن نوعا آخر مثلى ..لا يفكر إلا فى الانتقام واضعا نصب عينيه الحكمة المعروفة« العين بالعين..والسن بالسن»أنا كنت فعلا بريئة ..حياتى وافكارى كلها تدور حول زوجى..كنت أحبة..حتى اكتشفت أنه يخوننى ..بكيت كثيرا، عملت بكل النصائح لاسترده من احضان الأخريات.لم أترك وصفة إلا وجربتها ..حتى السحر،،وانا الجامعية المثقفة لجأت إليه لاعيده الى،كان بعد كل خيانه يعود إلى مستغفرا تائبا..ولكنى اكتشفت أنه لن يتخلى عن هوايته هذه..ولم اجد الا ان اخونه كما يخوننى .واكتشف هو انى قد تعلمت الغدر والخيانة طلقنى ..لم اهتم وعشت كما ترى لا اهتم ببكره ولا بالأمس.اعيش يومى فقط لا اربط نفسى إلى رجل بعلاقات قوية تذلنى..تدمر انسانيتى.رغم كل مظاهر الاقتناع فى عيونها ووجهها ..لم تستطع أن تخفى نظرات الحزن والندم المستترة فى أعماقها.. وانصرفت.

مشاركة :