طلال عوكل يكتب: لا أمل مع خداع إبليس

  • 8/27/2017
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

كثيفة ومتلاحقة، الجولات واللقاءات التي تجريها الإدارة الأمريكية، تحت عنوان البحث عن السلام، بين الفلسطينيين والإسرائيليين. قد يوحي ذلك للبعض، بأن هذه الإدارة تبدي اهتماما جديا كبيرا وحاسما وغير مسبوق، من أجل استئناف المفاوضات، وتحقيق اختراق تاريخي في الملف الأكثر تعقيدا، الذي فشلت الإدارات السابقة على مدار أكثر من عقدين في تحقيق أي نجاح فيه. الجولة الأخيرة التي قادها صهر الرئيس ترامب، جارد كوشنير، سجلت رقما قياسيا في عدد اللقاءات تجاوز العشرين، بدون أن تتجاوز مرحلة الفحص والتعرف على مواقف واستعدادات الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي. التصريحات التي صدرت عن الأطراف الثلاثة، الأمريكي والإسرائيلي والفلسطيني، لا تتجاوز لعبة العلاقات العامة، والتصريحات المحملة بوعود كاذبة لا تحمل جديدا مبشرا للفلسطينيين، أو مزعجا للإسرائيليين. الرئيس ترامب يرسل تحياته للكل، ويؤكد جديته والتزامه بمواصلة العمل من أجل تحقيق السلام، هذا كل ما جادت به قريحة كوشنير، وزملاؤه في الوفد العرمرمي. على أن إخضاع سياسات ومواقف الأطراف الثلاثة المعنية مباشرة للفحص، ونقصد أمريكا وإسرائيل وفلسطين، تعطي استنتاجات من شأنها أن تبدد كل الوعود الكاذبة، وما تبقى من رهانات على دور مختلف للولايات المتحدة. قبل ذلك ينهض التساؤل حول توقيت زيارة الوفد، والمدى الجيوسياسي الذي شملته هذه الجولة. من الواضح أن إدارة ترامب تسعى كهدف لتنفيس حالة الغضب الفلسطيني الظاهر، والذي تتوقع الإدارة أنه سيؤدي بالرئيس محمود عباس، لأن يطرح أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر القادم، رزمة من القضايا، قد يكون من بينها مطالبة الأمم المتحدة الاعتراف الكامل بدولة فلسطين. تعتقد الإدارة الأمريكية أن الغضب والإحباط الذي يسود الأوساط الفلسطينية الرسمية، من شأنه أن يدفع الأمور نحو المواجهة، والتصعيد، ولذلك وجب التحرك في وقت مناسب لامتصاص هذا الغضب. كان على نتنياهو أن يبدي تفهما للمسعى الأمريكي وأن يسايره فيضطر للقول أن السلام في متناول اليد. يعرف نتنياهو أكثر من غيره أن سياسة إسرائيل الحقيقية ومخططاتها، التي تتواطأ عليها ومعها الولايات المتحدة، هي أبعد ما يكون عن إمكانية تحقيق السلام. محاصرة الغضب الفلسطيني تحتاج إلى أكثر من موقف إسرائيلي كاذب أو تصريحات كاذبة من قبل الوفد الأمريكي، ولذلك كان على كوشنير وفريقه أن يوسع دائرة الضغط على الغاضب الفلسطيني، ولذلك أيضا كان عليه أن يوسع الدائرة لتشمل عددا من الدول العربية الوازنة، التي يتغطى بها الموقف الفلسطيني ويتأثر بمواقفها وأدوارها. ولذلك أيضا وجب أن يقوم الأمين العام للأمم المتحدة جوتيرتيش، باستكمال المهمة قبل دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة. لا بد أن الإدارة الأمريكية تدرك أن قدرتها على الضغط وإملاء الشروط المجحفة على الطرف الفلسطيني قد وصلت إلى نقطة هامة، لا قبل للفلسطينيين على تحملها أو مسايرتها أو الخضوع لها. كان لافت للنظر أن يؤكد الرئيس محمود عباس للوفد الأمريكي، بأنه لا مجال على الإطلاق لأن تستجيب القيادة الفلسطينية للشرط الأمريكي الإسرائيلي الأصل، بوقف مخصصات ذوي الشهداء والأسرى، وكان على الأمريكي أن يصمت، وأن يستمر في محاولة امتصاص الغضب. على أن الجولة التي قام بها كوشنير وفريقه إلى عدد من الدول العربية، قبل أن يصل إلى رام الله وتل أبيب تعطي إيحاء مباشرا على أن الإدارة الأمريكية تتبنى الرؤية الإسرائيلية التي ترتكز على الحل الإقليمي الذي يمنحها الفرصة لتطبيع علاقاتها مع العرب بدون أن تدفع الثمن، خصوصا في ضوء التطورات الإقليمية وإزاحة القضية الفلسطينية من موقعها الطبيعي على رأس أولويات العرب، لصالح أولويات أخرى. الإدارة الأمريكية لم تقدم حتى الآن رؤيتها للتسوية، ولم تحدد طبيعة الدور الأمريكي في رعاية المفاوضات، كما أنها لم تستجب للشروط الفلسطينية المحقة، ومرجعية عملية السلام وأهدافها. الغموض الأمريكي هو في صالح إسرائيل، والأرجح أن الإدارة الأمريكية لا ولن تمارس الحد الأدنى من الضغط على إسرائيل، ولا تكف على الإعلان بأنها الأكثر دعما وتأييدا إنما تتبنى الرؤية الإسرائيلية بالكامل. إذا كان هذا هو الموقف الأمريكي، فإن الموقف الإسرائيلي الرافض للتسوية على أساس رؤية الدولتين، وقرارات الأمم المتحدة، والمتمسك بالتسوية الإقليمية والحل الاقتصادي. هذا الموقف لا يمكن ولا سبب لأن يعتقد أحد بإمكانية أن تستدير عنه إسرائيل مئة وثمانين درجة، نحو عملية سياسية مقبولة للفلسطينيين. حكومة المستوطنين اليمينية المتطرفة التي تدير بنجاح سياسة ومخططات مصادرة حقوق الفلسطينيين من حق العودة إلى القدس إلى الحدود إلى الأرض، تفقد مبرر وجودها والأرجح أنها ستنهار، في حال توفرت عوامل هي غير متوفرة عمليا، تضعها أمام ضرورة الاستجابة لتسوية تقوم على رؤية الدولتين. وفي غنى عن فحص الأوضاع الفلسطينية والعربية، التي لا يختلف اثنان على ضعفها وهشاشتها، فإن ما ورد يكفي لتبديد كل الوعود، والتصريحات الكاذبة التي تصدر عن أي مسؤول أمريكي أو إسرائيلي، أو حتى فلسطيني أو عربي جاهل.أخبار ذات صلةطلال عوكل يكتب: جريمة غير مسبوقة تستوجب إجراءات غير مسبوقةطلال عوكل يكتب: محاولات تقويض حق العودة والإطاحة بواجب الصمودطلال عوكل يكتب: الفصل الثاني من مؤامرة الاستعمار الحضاري

مشاركة :