عِنْدَما أرْسَلَ الصَديق العَزيز الدُّكْتور "طارِق مَنْصور" أُسْتاذِ التاريخ بِجامِعة عين شَمْس – مَقالَهُ الهام بِعُنْوان "جوائِز نوبِل بَيْنَ تَراجُعِ العَرَب وتَفَوُّقِ الآخَر" الذي نَشَرَتْهُ صَحيفة "صَدى البَلَدْ" الإلكْترونية في 9/10/2020م – لَقراءَتَهُ والتَعْليق عَليْه – وبِالنَظَر لأنَّ المَقال أثارَ العَديد مِنَ القَضايا الهامَّة المُرْتَبِطة بِواقِع العالَمِ العَرَبي الرَّاهِن – مِنْها تَراجُعْ مُسْتَوى التَعْليم الذي تَتَراوَح أحْوالَهُ ما بَيْنَ حالة الخُمولِ التَّام أو التَمَدُّد في غُرْفَة الإنْعاش دونَ أيِّ تَوَجُّه واضِح لِحيازة التَمَيُّز أوِ الإرْتِقاء – فَضْلًا عَنْ غيابِ المؤسَسات الثقافية العَرَبية التي تَعْمَلْ على تَقْديم الإبْداعِ العَرَبي إلى القارئِ الغَرْبي على مدارِ العام – بَيْنَما نَجِدْ العُلَماء الإسْرائيليين – على سَبيلِ المِثال – قَدْ تَمَكَّنوا مِنَ الحُصول على "جائِزة نوبِل" مَرَّاتٍ عديدة لاسيَّما في مَجالاتِ الرياضيات والكيمياء والادب والاقتِصاد – أمَّا عَنْ "جائِزة نوبِل لِلسلام" فَلَها أهْداف سياسية ويَتِمُّ مَنْحَها لِمَنْ يُساهِمونَ في دَعْمِ السَّلام في العالَم، ولا عَلاقة لَها بِتَقَدُّمِ المُجْتَمَع أو تَخَلُّفُه – فَقَدْ حَصَلَتْ عَليْها الناشِطة اليمَنية "تَوَكُّل كرمان" في عام 2011م – وغَيْرَها مِنَ الشَخْصيات على امْتِدادِ دوَلِ العالَم.•لِكُلِّ ما سَبَقْتُ الإشارة إليْهِ ولأهميَّةِ المَقال – لَمْ أكْتَفي بِالتَعْليق عليْهِ وأبْلَغْتُ الدُّكْتور طارِق بِأنَّني سَوْفَ أُفْرِدُ لِلموضوع "مَقالًا خاصًَّا" لِأهَميَّتَهُ الكَبيرة مِنْ ناحية – ولِلذِكْريات التي أعادَني إليْها المَقال لاسيَّما مُعايَشَتي لِأجْواءِ "نوبِل نَجيب مَحْفوظ" ومُشارَكَتي في بَعْضِ الفعاليات التي أعْقَبَتْ حُصول "الدُّكْتور زويل على الجائِزة" ولِقائي بِالعالِمِ الراحِل رَحِمَهُ الله – في ذَلِكَ الوَقْت – وأيْضًا لِأتَمَكَّنْ مِنْ تَوْضيح الفَرْق بَيْنَ الجائزَتين لِلقُرَّاءِ الأعِزَّاء – فَنوبِل "نَجيب مَحْفوظ" تَمَّ إهْدائِها لِإبْداعِهِ كَروائي كَبير ولِلأدَبِ العَرَبي بِوَجْهٍ عام – بَيْنَما "نوبِل أحْمَد زويل" فإنَّها جاءَت تَقْديرًا لِإنْجازِهِ العِلْمي وإلى المُجْتَمَعِ الأمْريكي الذي حَمَلَ جِنْسيَّتَهُ ونَبَغَ في مَعاهِدِهِ العِلْمية – على الرَغْمِ مِنْ كَوْنِهِ مِصْريًا في الأصْل – فالجائِزة لَمْ تَكُنْ مِنْ نَصيب مِصْر – إنَّما كانَتْ لِلعالِمِ الأمْريكي المَصْريِّ الأصلِ الدُكْتور/ أحْمَد زويل – رُبَّما لا يوافِقُ البَعْض على هذهِ الرؤية أو هَذا التَحْليل – إنَّما ذَلِكَ هو الواقِع الذي عَلَيْنا أنْ نَقْنَع بِهِ بَعيدًا عَنِ التَهافُت الإعْلامي الفارِغ ...!؟! – إلى أنْ نَتَمَكَّن مِنْ تَقْديم عَلَماء لِلعالَم هُم نِتاج مَراكِز أبْحاث ومَعاهِدِ العِلْم في عالَمَنا العَرَبي – الذي لا تَنْقُصُهُ الإمْكانيات لِلأسَف – قَدْرَ امتِلاكِهِ الإرادة والقُدْرة على العَمَلِ والإنْجاز.•عِنْدَما تَناقَلَتْ "وَكالاتِ الأنْباءِ العالَمية" نَبأ فَوْز الأديب الكَبير "نَجيب مَحْفوظ" بِجائِزة نَوبِلْ في الآداب مَساءِ الخَميس 13 أكتوبَر 1988م – عَمَّتْ الفَرْحة كافَّة أنْحاء مصْر والعالَمِ العَرَبي – كُنْتُ وَقْتَها بِالقاهِرة أقوم بِعَمَلي بِوازَرةِ الإعْلام، وعايَشْتُ مَدى اهتِمام مُراسِلي الصَحافة العَرَبية والعالمية بِالحَدَثِ الكَبير الذي لَفَتْ أنْظارِ العالَم إلى وُجود أديب عَرَبي مُبْدِع بِوَزْنِ "نَجيب مَحْفوظ" يَسْتَحِقُّ جائِزة نوبِل – بَيْنَما أعْرَبَ "نَجيب مَحْفوظ" بِدَوْرِهِ عَنْ رؤيَتِهِ لِهَذا الفَوْز بِأنَّهُ سَاهَمَ في تَغْيير نَظْرة الشُعوب الغَرْبية لِلْعَرَبْ – وأدْرَكَ الإنْسانِ الأوروبِّي أنَّنا مُجْتَمَعات لَها جُذورِها الحَضارية، ولَها مَشاكِلَها وهُمومِها المُعاصِرة التي تَتاشَبَه مَعْ مَشاكِلِهِ وهُمومِهِ، وأكَّدَ مَحْفوظ "... كانَ لَدَيْنا كُتَّاب عَمالِقة مِنْ أمْثالِ "عَبَّاسِ مَحْمودِ العَقَّاد" الذي كُنْتُ أرى أنَّهُ يَسْتَحِقُّ الجائِزة عَنْ جَدارة – رُبَّما فاقَ في مَوْهِبَتِهِ عَدَدًا مِنَ الأُدَباءِ الذين حَصَلوا عَليْها مِنَ المُعاصرينَ لَهُ – موَضِّحًا أنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ بَيْنَ أحْلامِهِ الحُصول على جائِزة نوبِل، ولَمْ يَتَطَلَّع إليْها في يومٍ مِنَ الأيَّام – وكُنْتُ أْعْجَبُ مِنَ الأُدَباءِ العَرَب المُهْتَمِّين بِها – ورُبَّما كانَ السَبَب في ذَلِكْ "عُقْدَةِ الخَواجة" وهيَ العُقْدة التي أحْدَثَتْ في نُفوسِنا نَوْعًا مِنْ عَدَمِ الثِقة بِإمْكانياتِنا – بِالإضافة إلى أسباب أخْرى كَثيرة بَطَبيعةِ الحال...".•وَاجَهَ "نَجيب مَحْفوظ" العَديد مِنْ حَمَلات الهُجوم مِنْ جانِب المُعْتَرِضين على مَنْحِهِ الجائِزة في داخِل مِصْر والعالَمِ العَرَبي – فاليَساريُّون اتَهَموهُ بِأنَّ الغَرْب أعْطاهُ "نوبِل" لِأنَّ رواياتَهُ تَتَضَمَّن نَقْدًا شَديدًا لِلمُجْتَمَعِ المَصْري ومِنْ ثَمَّ المُجْتَمَعِ العَرَبي – حَيْثُ كَشَفَ في رواياتِهِ مَدى سُقوط واضْطِراب هذه المُجْتَمَعات – بَيْنَما هاجَمَهُ "التيَّارِ الديني" بِشَراسة لِأنَّ رواية "أوْلاد حارِتْنا" في تَصَوُّرِهِم تُهاجِمُ الإسْلام خُصوصًا والأدْيانِ السَماوية بِوَجْهٍ عام – وأنَّ الغَرْبيين المُعادين لِلأدْيانِ مِنْ مُنْطَلَقِ النَزْعة المادية التي تَسودُ حياتَهُم، قَدْ سَهَّلوا لَهُ الحُصول على الجائِزة ...!؟!... مِنْ جانِبِهِ نَفى "مَحْفوظ" تِلْكَ الاتِهامات مؤكِّدًا أنَّ النَقْد المَوضوعي لِلرواية يَنْفي عَنْها الهُجوم على الإسْلام وأنَّهُ كانَ يَتَطَلَّع مِنْ وَراء كِتابَتِها إلى مُسْتَقْبَل أفْضَل لِلنَّاس، وأنَّهُ يَحْلُم بِالعَدالة، فاتَّهَموهُ بِالسُّخْرية مِنَ الأنْبياء – أمَّا عَنْ نَقْدِهِ لِلمُجْتَمَعِ المَصْري – فَلأنَّهُ يُريدُ لَهُ حياةً أرْقى – مؤكِّدًا على أنَّهُ لَيْسَ هُناكَ "أدَب" في العالَم إلَّا ومَبْعَثَهُ الغَضَب والنَقْد – فالأدَب الحَقيقي هوَ بِمَثابة نَقْد دائِم لِلحياة والمُجْتَمَع، وتَعْبيرًا غاضِبًا على الأوْضاعِ السَلْبية السائِدة – ويوَضِّح نَجيب مَحْفوظ أنَّ كُلَّ أديب حَقيقي يَمْتَلِكْ "مَدينة فاضِلة" في مُخيَّلَتِهِ – يَتَصَوَّرْها ويَعيشَها ويُحاولِ الوُصول إليْها في أدَبِهِ مِنْ خِلال تَوْجيه النَقْدِ لِلمُجْتَمَع الذي يَعيشُ فيهِ – وأنَّ الدَوْرِ الأساسي لِلأدَبِ أنْ يَكونَ "عَيْنًا ناقِدة" لِلمُجْتَمَع – فَرواياتِ "تشارلز ديكنز" تُمَثِّل إدانة لِلمُجْتَمَعِ الإنْجليزي، وأعْمال "ديستوفيسكي" تُقَدِّم صورة قاتِمة لِلمُجْتَمَع الرُّوسي – بَيْنَما نَجِدْ أنَّ "الأدَبِ الأمْريكي" يُمَثِّلُ في غالبيَّتِهِ نَقْدًا صَريحًا وحادًَّا لِلمُجْتَمَعِ الأمْريكي – هذا هوَ الدَوْرِ الذي يَنْبَغي على الأدَبِ القيام بِهِ.•في العام 1999م والعالَم على أبوابِ الألفية الثالِثة – تَمَّ الإعْلان عَنْ مَنْحِ الدُّكْتور "أحْمَد زويل" جائِزة نوبِل في الكيمياء – وحَرَّكَ نَجاح الدُّكْتور زويل في مَجالِ البَحْثِ العِلْمي شَوْقًا دَفينًا لَدى شَبابِ الباحِثين المَصْريين والعَرَب بِأنْ تَحْتَل بُلدانِهِمُ العَرَبية مَكانَتِها بَيْنَ الأُمَمِ الناهِضة في مَجالِ البَحْثِ والإنْجازِ العِلْمي المُتَقَدِّم – وفَتَحَ نَجاح "الدُّكْتور زويل" البابَ واسِعًا أمام دَعَوات مُخْلِصة وصادِقة لِلنْهوض بِالعالَمِ العَرَبي – تَبَلْوَرَتْ كُلَّها حَوْلَ ضَرورة إيجاد "هَيئة عِلْمية عَرَبية" وتَنْمية قُدُراتِها بِما يَسْمَح بِإنْشاء "أكاديمية عَرَبية لِلعُلوم والتكنولوچيا" – ودَعْوة العُلماء والباحِثين العَرَب المُهاجرين في دوَلِ العالَم المُتَقَدِّم لِلعَودة إلى أوْطانِهِم لِلإسْهام في بِناء مَنْظومة العِلْمِ والتكنولوچيا الحَديثة – على أنَّ تَقوم الحُكومات العَرَبية بِدَعْمِ ميزانيات البَحْث العِلْمي لَديْها وإعلاء شأنِ العُلَماء وتَقْديرَهُم بِما يَليق بِمكانَتِهِم ليَقوموا بِدَوْرِهِم في تَكوين القواعِدِ العِلْمية المُتَطَوِّرة في كافَّة المَجالات.•في ذَلِكَ الوَقْت وفي شَهْرِ ديسَمبر مِنْ عام 1999 – وبَعْدَ عِدَّة أسابيع مِنْ فَوْزِ الدُّكْتور زويل بِجائِزة نوبِل – كُنْتُ رَئيسًا لِلمَكْتَبِ الإعْلامي المَصْري بِدَوْلَةِ الإمارات ومُستَشارًا إعْلاميًا لِلسفارة المَصْرية هُناك – بادَرْتُ بِالتَنْسيق مَعْ "نادي دُبَي لِلصحافة" بِدَعْوةِ الدُّكتور أحمد زويل لِتَكْريمَهُ وعَقْدَ نَدوة يَتَحَدَّث فيها عَنْ مِشوارِهِ العِلْمي الذي تَمَّ تَتويجَهُ بِالفَوزِ بِجائِزة نوبل – بَعْدَ الاتِصال بِالدُّكتور زويل وموافَقَتَهُ على الحُضور – تَحَدَّثَ في النَدوة موَضِّحًا أنَّهُ يَدينُ لِوَطَنِهِ مِصْر بِالنشأة والتَكوين إلى أنْ أنْهى المَرْحلة الجامعية – ليُسافِر بَعْدَها إلى الولاياتِ المُتَّحِدة الأمريكية، موَضِّحًا أنَّهُ لوكانَ قَدْ ظَلَّ في عَمَلِهِ بِجامِعةِ الإسْكَندرية لَما تَمَكَّنَ مِنْ مواصَلة أبْحاثَهُ العِلْمية التي صاحَبَت دراساتَهُ العُلْيا في أمْريكا ومَكَّنَتْهُ مِنَ الوُصول إلى إنْجازِهِ العِلْمي الذي أوْصَلَهُ لِلفَوزِ بِالجائِزة. وأشارَ الدُّكتور زويل في حَديثِهِ – إلى زيارَتِهِ لِدَوْلةِ "الهِنْد" وكَيْفَ أنَّهُ شاهَدَ العَديد مِنَ الفُقَراء يَشْحَذونَ في الشوارِع – بَيْنَما كانَتْ حُكومة الهِنْد قَدْ أقامَتْ "وادي لِلسيليكون" تَحْتَ الأرض لِإنْتاج مُتَطَلَّبات التكنولوچيا الحديثة مِنْ رَقائق الكُمبيوتر وغَيرِها – كَما طالَبَ الحُكوماتِ العَرَبية بِالعَمَل على نَشْرِ الثقافة العِلْمية بَيْنَ أفْرادِ المُجْتَمَع – مؤكِّدًا أنَّ ما يَنْقُصَنا في العالَمِ العَربي هو "العَمَل بِروحِ الفَريق" وأنْ يَكونَ البَحْث العِلْمي في خِدمَةِ المُجْتَمَع.•"... أعودُ لِما بَدأْتُ بِهِ المَقال مِنْ أنَّ "نوبِل نَجيب مَحْفوظ" جاءتْ تَتْويجًا لِإبْداعِ أديب كَبير تَمَكَّنَ بِموْهِبَتِهِ وجُهْدِهِ المُتواصِل مِنَ التَعْبير عَنْ خَصائِصِ المُجْتَمَع الذي يَنْتَمي إليْهِ وقُدْرَتِهِ على الكَشْفِ عَنْ مَلامِح وأبْعاد شَخْصياتِهِ بِواقعيَتِهِ الشَديدة وإخْلاصِهِ لِبيئَتِهِ المَحَلِّية التي مَكَّنَتْهُ مِنَ الفَوزِ بِالجائِزة في نهايةِ المَطاف – بَيْنَما كانَتْ "نوبِل أحمَد زويل" تَقْديرًا لِلإنْجازِ العِلْمي الذي تَهيَّأ لَهُ في مُجْتَمَعِهِ الجَديد الذي هاجَرَ إليْهِ لِيَتَمَكَّنَ مِنَ النبوغ والوصول إلى ما وَصَلَ إليْهِ مِنْ "كَشْفٍ علمي غَيْر مَسْبوق" عِنْدَما تَوَفَّرَت لَهُ الإمْكاناتِ اللازِمة – فَكانَتْ "نوبِلْ زويل" في الكيمياء هي جائِزة ذَلِكَ المُجْتَمَع الذي أتاحَ لَهُ الحُصول عَليْها ...!؟!..... بَعْدَ النَدوة بِأيَّام نَشَرْتُ مَقالًا بِصَحيفةِ (الخَليج) * الإماراتية التي تَصْدُر بِإمارَةِ الشارِقة – قَدَّمْتُ مِنْ خِلاِلِهِ رؤيَتي لِمواجَهةِ التَحَدِّي الحَضاري – وأنَّهُ مِنَ المُمْكِن أنْ يَكونَ لَدَيْنا "مليون زويل" إذا ما قُمْنا في عَالَمَنا العَرَبي بِتَهْيئَةِ الظُروفِ المُلائِمة التي تَليقُ بِنا – بِالجِدِّية اللازِمة – فَهَلْ نَحْنُ فاعِلون ...؟!؟... أّمْ نَكْتَفي بِالاسْتِرْخاءِ في مَقاعِدِ المُتَفَرِّجينْ – يَسْتَهْلِكونَ مالا يُنْتِجونْ ...؟؟!!؟!! – أتَمَنَّى أنْ تَكون "مَدينة زويل" خطوة رائِدة على الطَريق ... !؟!".
مشاركة :