كنت جالسا في مكتبي صباح يوم الأربعاء الموافق 11 من نوفمبر وإذا بسكرتيرتي تبلغني سماع نبأ انتقال صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة إلى رحمة الله تعالى بعد معاناة طويلة وشديدة مع المرض. كان ذلك مفاجأة لي مفزعة وخبرا فادحا انقبض على أثره قلبي ونفسي، ولكن بعد برهة استرجعت كامل فكري وتأملي وآمنت بأنه قدر حتمي لا مفر منه «كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.. (185)» آل عمران، وإني أعلم علم اليقين انه قضاء الله الحق الذي فرضه على كل نفس تعيش على هذه الأرض، وهو اليقين الذي لا بعده يقين «وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99)»، الحجر.عاصرت زمن الأمير خليفة بن سلمان منذ أن وطأت قدمي المبنى الرسمي للحكومة في بدايات تسلمي مسؤولياتي في وزارة المالية والاقتصاد الوطني موظفا في الشؤون المالية ثم مديرا عاما لإدارة الميزانية العامة للدولة، فقد التقيت بسموه عدة مرات في مناسبات كثيرة كان يبدي فيها سموه الترحاب الظاهر على وجهه الباسم ومحياه المضيء الذي دائما ما يترك في النفس الرضا والطمأنينة، ويشعرك بالمحبة والمعزة.من الذكريات التي لا تنسى مع سموه يوم استدعاني ديوان سموه للتشرف بمقابلته في مكتبه العامر بدار الحكومة، وكان موعد اللقاء حوالي الساعة الثانية عشرة ظهرا، فذهبت في الموعد المحدد لأنتظر دخولي على سموه، وبعد برهة جاءني من يخبرني بالسماح لي بالدخول على سموه وهو في مكتبه، وإذا بي وجها لوجه أمام سموه من دون تكلف برسميات اللقاءات التي تكون عادة مشحونة بترتيبات رسمية محددة معروفة للكل. دخلت على سموه وإذا معه الأخ الكريم محمد إبراهيم المطوع وزير شؤون مجلس الوزراء آنذاك، فسلمت على سموه سلاما حارا ملأه الحب والاعتزاز والفخر والشرف العظيم الذي جعلني أقابل سموه وأجلس أمامه، فإذا بسموه يقف مرحبا بي مشيرًا إليّ بالجلوس أمامه، مواجها لجلوس الأخ الوزير محمد المطوع، ثم جلس سموه بعد ذلك على مكتبه، ليبدأ الحديث معي بسؤاله عن أفراد عائلتنا فردا فردا، ثم عرّج سموه إلى موضوع كنت نسيته منذ فترة ليخبرني أن صاحب السمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة حاكم البلاد رحمه الله، قد أطلعه على صورتي كل من عم الوالد محمد بن حسن البنفلاح وأخي الكبير يوسف بن علي البنفلاح رحمهما الله، حيث سبق لي أن أهديت الصورتين إلى صاحب السمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة عندما طلبها مني سموه، وقال سموه: «إني أتذكر عمكم مع والدنا المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ سلمان، كذلك أتذكر أخوكم يوسف»، وكان الإثنان قد عملا في ديوان سمو حاكم البلاد غفر الله له. بعد ذلك أبلغني سموه أنه عازم على تعييني مديرا عاما للشركة البحرينية السعودية لتسويق الألمنيوم (بالكو)، وكان جوابي لسموه: اعتبرني طال عمرك جنديا من جنودك الأوفياء، وأينما تضعني سموك في أي مسؤولية أنت تراها مناسبة لي فتأكد يا صاحب السمو إنني سأكون الموظف المخلص في تأدية الواجب لخدمة وطني تحت قيادتكم الرشيدة. فشكرني سموه على ما قلت مقدرا شعوري الفياض نحو خدمة وطني.كذلك لا أنسى لسموه ذلك الموقف الإنساني العظيم الذي حبانا به سموه نحو عائلتنا، عندما زارنا في مجلسنا بالمحرق لتقديم العزاء في وفاة أخينا فلاح رحمه الله. فهذا الموقف يبقى في ذاكرتنا للدلالة على إنسانية سموه وطيب أعماله.كثيرة هي اللقاءات التي جمعتني بسموه رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، من بينها لقائي بسموه مرات عديدة حينما أتشرف بتقديم أول نسخة من كل كتاب كنت انتهي من إعداده فيشكرني سموه على هذه الهدية مقدرا الجهد الذي بذلته في إعداد مثل هذه الكتب.إن الأمير الراحل صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة طيب الله ثراه، سيبقى ماثلا في وجدان الشعب البحريني بكل أطيافه وأعراقه، وستبقى منجزاته وكل أعماله نماذج يحتذى بها في البذل والعطاء، وستكون أفكاره ومبادئه نبراسا قيما يضيء جنبات مستقبل البحرين، ورافد متدفقا للعطاء لاستكمال بناء صروح البحرين المستقبلية ضمن برامج التنمية المستدامة.إن التاريخ سيشهد أن حقبة خليفة بن سلمان كانت من أروع وأجمل المراحل في مسيرة تاريخ البحرين الحديث، إذ ارتبطت بالنمو والازدهار في مختلف ميادين الحياة، ذلك أن الأمير خليفة بن سلمان يعتبر قائدا استثنائيا على مختلف الأصعدة، ولن تنساه امته الخليجية والعربية مهما طال الزمن.أن عائلة البنفلاح بكل أفرادها ترفع أكفها إلى السماء ضارعة إلى الله أن يرحم فقيدنا العزيز ويغفر له ويسكنه فسيح جناته ويلهمنا جميعا الصبر والسلوان، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
مشاركة :