ما أرهب الموت وما أمره، وما أقساه بل أنه أشد قسوةً وألماً على الشخص، حين يسمع بخير وفاة من له في القلب مكان، مِع أن الموت حق على كُل إنسان، إلا أنّه سوف يظل الأقسى والأفجَع والأشد ألماً على النفس، وهذه هي سنة الله في هذا الكون، لأنه هو الحقيقة الوحيدة في الحياة، ومازلت أؤمن أننا لا نبكي الميت، على ذهابه عنا ولكن لبقائنا بدونه، نعم بقائنا بدون الوالد علي محمد أبوهيبة الحازمي رحمه الله. وأنا هنا لما أكتبُ عن الوالد علي أبوهيبة رحمه الله، أعرف جيداً أنه ليس فقيد آل أبو هيبة وحدهم بل والله فقيد الجميع، فلايوجد أحد منا إلا والحزن دخله وخيم عليه، برحيل الوالد أبا خالد. بل أن خبرُ موته كان هابطًا على قلوبنا كالصاعقة ، إنني أقولُ كالصاعقةِ لأنه العمُّ والوالدُ والأبُ والأخُ والصديقُ الحنونُ لكل مَنْ عرفه وأحبَّهُ . فحين يسمحُ الوقتُ ويأذنُ الحزنُ قليلًا لأكتبَ هذه المرثيةَ الجديرةَ برجلٍ ملأَ قلوبنا حُبًّا ، وأرَّخَ فينا مفهوم الحب والصداقة وحسن المعاملة التي صارت يبابا في زمانٍ بات شقيًّا ورديّا . وحين يصحو قلبي أستلقي في العشبِ الرطيب الذي تُهَيِّئُه الذكرىٰ الشائقة لرجل ووالد طالما أسعدنا وأتحفنا بحبه وتواضعه وبراءته التي تتربعُ على قمم قلوبنا، وكلما حاولتُ الرجوع إِلَىٰ التسليم بأنّ الموتَ حقٌّ على كل نفسٍ وأنها ستوفىٰ أجلها فإنني أرجعُ ولكنَّ قلبي بطيلُ في تمسكه كثيرًا بذكراك الجميلةِ أبا خالدٍ. وماتَزَال حلاوةُ الذكرى الخاصة بتلك الأيام تثيرُ فيَّ الأسىٰ الآن بقدر ما كانت تثيرُه من فرحٍ وسعادةٍ قبل رَحِيلِ أبي خالدٍ ؛ ليس لأنّ لبعض الذكريات هذا السحر العظيم وخصوصًا ذكريات من فارقنا بعد حبٍّ عظيم بل لأنهم كانو يتركون الذكرىٰ بعد غيابهم مباشرةً ويحيلونها إِلَىٰ أطلالٍ عذبةٍ ونغماتٍ خَالدَةٍ تستمر بالعزف لتدخلَ على جونا وأحلامنا نوعًا من الإعجاب والقبول والتبرير لرحيل من نحبّ . لقد عرفتُ الوالد أبا خالدٍ منذُ كنتُ طفلًا وهو يقوم بدورِ أبي الثاني والملهم لي في كيفية خوض الحياة بكل مراحلها ، ولَم يكن دوره مقصورًا على شخصٍ معين دون آخر بل كان مع الجميع فارتبطت ذكراه بقلوب الجميع كما ارتبطت ذكراه الآن بكل الحقول التي كان يهبط بها ويقوم بجنيها . وكم كانت جميلةً ومحفوفةً بالحب والإعجاب الكبير تلك الذكريات الجميلة التي تراكمت الآن وأخذتْ تحتلُّ قلوبنا وتقيمُ بها وكأنها تعلنُ بأنه أي (أبا خالدٍ) إذًا كان قد رحل عن هذه الدنيا إلا أنه باقٍ في قلوبكم التي أحبته وستظلُّ تحبه وتعيشُ معه حياته الروحية. ودمتم سالمين
مشاركة :