سلمى المري: أهرب إلى المرسم لمداراة أوجاعي

  • 8/17/2015
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

تقف لوحتها لتختزل حكاية تروى، تتكشّف تفاصيلها بضربات الريشة وتتعمّق مفاهيمها من خلال رؤيتها التشكيلية، فتصبّ فيها معارفها ومشاهداتها وموروثها الفكري والمجتمعي، لتخلق حالة تواصل وجدل مع المتلقي. سلمى المري تجربة إبداعية متفردة، شغفت منذ الطفولة بجمالية اللون وقوة تأثيره، ورافقها هذا الشغف طوال حياتها. بدأت مسيرتها الفنية بالدراسة في كلية الفنون الجميلة في القاهرة وتخرجت فيها عام 1985، لتقيم بعد ذلك عدداً من المعارض الفردية والجماعية داخل الدولة وخارجها، في نيويورك وفرنسا وإسبانيا وإيران وتونس والمغرب والكويت. كما قدمت الكثير من الدورات والورش التدريبية والدراسات الفنية والتربوية، إضافة إلى عملها لسنوات طويلة في حقل التربية والتعليم. وعن العوامل والأحداث التي شكلت ملامح تجربتها الفنية تقول المري: درست الفنون الجميلة في القاهرة، دفعني لذلك ميول وموهبة تحسسها بي القائمون على تدريس مادة التربية الفنية، وتقدير فطري من والدي بدعمي، ودفعي نحو ما تمنيته في دراسة الفنون بشكل أكاديمي. وتضيف، الآن وأنا أنظر بتجرد إلى المشهد العام الذي قادني إلى الفن، أجذب خيوط بداياتي كطفلة في المرحلة الابتدائية، فتمرّ من أمامي بانوراما تصويرية لصياغة ما قد تعلقت به من شغف، جدار الفصل الخارجي بين الصف الخامس والسادس، كان بداية معرفتي بالمساحة الهائلة، حيث رسمت جداريتي الأولى عليه، وكانت مسابقات شنكار الدولية المرآة التي عكست لي بأن الفن كائن مسافر يعبر القارات ويأخذني معه، أما مسرح العرائس في المدرسة وشخصياته التي صنعناها أنا ورفيقاتي، فلفتت انتباهي إلى تعدد مجالات الفرح، في ذلك الوقت كنت غائبة أو غير واعية إلى ترجمة دور الفن في حمايتي، بطريقة أو بأخرى، وتخليص نفسي من ملل تشتكي منه الصغيرات قريناتي، وإذا ما تمّ زجري بزعم التلهّي عن الدراسة، خبّأت خطوطي بين كتب المواد وشرعت لنفسي نوافذ لا يراها سواي، وتسربت إلى مخابئي السرية. وعن الخامات التي تفضل الاشتغال بها تقول: حين تخرجت في كلية الفنون الجميلة، اتجهت إلى تدريس مادة التربية الفنية، عملت في هذا المجال 19 عاماً (معلمة، موجهة بمنطقة دبي التعليمية، وما بين الوظيفة والمشهد التشكيلي كان هناك جذب لمصلحة الوظيفة، إلى أن قررت أن أصنع التوازن، وتفرّغت لممارسة الفن التشكيلي، إلا أن خبرتي في تدريس الفنون دفعتني إلى البحث والاجتهاد في تطوير موادي وأدواتي، فتوصلت إلى أسلوبي المتّبع حالياً في الدمج بين تقنية الرليف والرسم التصويري في العمل الفني، وذلك من خلال مادة لونية واحدة وهي ألوان الأكريلك. فتبدو أعمالي متعددة ومتباينة الملامس ما بين الأشكال والخطوط، وتنوع التفاصيل بين الغائر والبارز التي تكون المجمل العام للوحة. ومن خلال هذه التقنية التي ابتكرتها حصلت أعمالي على الجائزة الكبرى في بينالي الخرافي للفن المعاصر، في الكويت عام 2012. تؤكد المري أنه، ومن البديهي، أن تسهم دراسة تاريخ الفن والتواصل البصري والفكري والعملي، مع تعدد الثقافات والأرضيات، في إنضاج تجارب الفنان وتشكيل وعيه، مضيفة: إن طبيعة علاقتي مع الكائنات والأشياء هي علاقة روحية مؤنسنة أكثر منها مادية حسية، فما بالك بالإنسان، الذي يتسلل إلى أعمالي بكل تجلياته وأمزجته وخلفياته، وما يحيط به من فانتازيا تسبغها مخيلتي. تتابع المري بالقول: يبقى المرسم المكان الهائل بصدقه وحقيقته الذي يحتويني بكل حالاتي، زواياه، أركانه، والانتماء حين أعجز عن مداراة أوجاعي أو ترجمة مزاجي ومواجهة نفسي، هناك - فقط - أعمل على أن التقط ذاتي وأتجرد من آناي، هناك تقترب روحي كل يوم، ولو بخطوات حثيثة، نحو التجلي الذي يلفني بأبعاده ويردّني إلى ما غاب عني من حقائق. وأترك المجال لقططي أن تحتفي معي، بالاتصال غير المرئي، تبقى صامته مستكينة لذلك الحسّ الهامس الذي يغمر المكان. وعمّا تنشده المري في بحثها الفني تقول: تناولت الإنسان والبيئة في أعمالي بشكل ملحوظ، من خلال مشاريع ومعارض عدة (مركز اهتمام، أنماط البشر، أهازيج وجدانية، تحت الحصار، بعض مني ومنهم، سونار)، وقد شجعني ذلك وقادني للبحث في الرقعة الجغرافية للأرض وحميميتها ومكنوناتها الظاهرة والباطنة، ومشروعي الذي أعمل عليه حالياً حكايا الأرض جزء منه يوضح الأثر الذي تركته الحكايا والأساطير الشعبية، والآثار التي غارت أو برزت في مجاهل أرض الوطن، حيث نسجتها الأعمال في فكر تعمّدت من خلاله أن أؤجل سلطان العقل وكوابحه لمصلحة الفؤاد، وبلا قيود تركت الحكايا تندمج، فجعلت العصر البرونزي المكتشف على ألواح العظم، يخاطب امرأة عاشقة عاشت في الأساطير الإماراتية، أما الأشخاص الذين وجدوا على جدران مقابر الهيلي وفترة أم النار، برزت على أجسادهم في تلاحم وتضاد بعض الأشكال التي عبرت تاريخياً بالمنطقة، كما لم تتوان زنوبيا أن تظهر في لوحة أخرى مسربلة برموز ونقوش من مختلف العصور التي مرت بجغرافية الأرض، وفي مكان آخر بدت العملة الهندية الروبية التي ساد تداولها في المنطقة بشكل أكبر من قريناتها، تتوسط مجموعة عملات لعبت دوراً مهما آنذاك. وفي المشروع القادم أزعم أمام نفسي أنه سيكون جزء من إنجاز تمنّيت أن أعبّر به عن الإمارات. وفي ما إذا كانت أعمالها تنتمي إلى مدرسة فنية محددة تقول: كلما وصل الفنان إلى قناعاته الخاصة، وتشبّع بالثقافة والأساليب الفنية، يصبح من الطبيعي أن لا يكون هناك تحيز لمدرسة أو أسلوب فني بذاته، فالمنجز الفني حر طليق ذو هوية عالمية غير مشروطة، فقد تشعر فيه بتلاقي الاتجاهات والأساليب التي يضيف الفنان عليها شيئاً خاصاً من روحه، ولكنه بالإمكان بسهولة أن يكتشف المرء أن هذا العمل أو ذاك يعود ويميّز هوية الفنان ويبرز بصمته. وعن الغموض الذي يشوب أحياناً العلاقة بين المتلقي واللوحة، تؤكد المري أن رؤية المنجز يجب أن تكون شاملة عامة، فليس بالضرورة أن يفسّر المتلقي ما يريد أن يقوله العمل الفني بالضبط، ولكن من المهم أن يؤثر فيه شعورياً، وكما هي المقولة الشائعة مثل أناء مملوء بالورد فليس كل القصائد يجب أن تفسر، جزء من هذا الشيء يلامس في مكان ما العمل الفني.

مشاركة :