لا ريب أن أحد أبرز مظاهر اهتمام مملكة البحرين بالتكنولوجيا المالية وسعيها المتواصل للتحول إلى مركز إقليمي ديناميكي لتطبيقاتها المختلفة، ذلك التنافس الإيجابي بين بنوك البحرين على تجسير العلاقة مع شركات التكنولوجيا المالية واعتماد تقنياتها في تطوير أنظمتها وأعمالها المصرفية، وتطوير استراتيجياتها وبنيتها التحتية وأساليبها التشغيلية، فقد شاركت العديد من البنوك البحرينية في تأسيس خليج البحرين للتكنولوجيا المالية في عام 2018م، الذي يمثل أكبر مركز متخصص بالتكنولوجيا المالية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وكان بنك ABC واحدا من تلك البنوك، كما تسابقت لاحتضان وتمويل المؤتمرات والورش والندوات التي تسهم في إرساء قاعدة علمية ومعرفية رصينة في مختلف قضايا وانشغالات التكنولوجيا المالية، وكان بنك ABC أيضا في مقدمة تلك البنوك، حيث ينظم منتدى فينتك الشرق الأوسط وإفريقيا في البحرين بشكل دوري وبرعاية كريمة من مصرف البحرين المركزي وحضور لافت من كبار المصرفيين ورواد التكنولوجيا المالية في العالم والخبراء والمختصين في العلوم المالية والمصرفية والتقنية وغيرهم. كما أن البنك احد الشركاء الاستراتيجيين لمصرف البحرين المركزي في إطلاق المختبر الرقمي «FinHub 973»، وهو أحدث منصة ابتكار لواجهة برمجة التطبيقات الوطنية المفتوحة في البحرين، والتي من شأنها أن تسهم في اختبار وتطوير حلول التكنولوجيا المالية بهدف تطوير القدرات الرقمية للزبائن، والذي يهدف إلى تحفيز الابتكار وتشجيع المنافسة وتوليد الأفكار وإيجاد حلول رقمية تحويلية في مجال التمويل لصالح القطاع المالي والمصرفي والاقتصاد والمجتمع البحريني ككل، فضلا عن الانجازات التقنية العديدة التي حققها البنك على طريق التحول الرقمي الشامل، فقد أطلق بنك الي الرقمي، الذي يعد إنجازا بحرينيا مهما في مجال التكنولوجيا المالية وكثمرة للبيئة الحافزة التي تشهدها المملكة، جاء ذلك بعد أن اطلق بنك ABC أول موظفة رقمية «فاطمة» في المنطقة، على هامش انعقاد منتدى فينتك الثالث لمنطقة الشرق الأوسط وإفريقيا، الذي عقد في البحرين بتاريخ 21 فبراير 2019. وما كان لهذه الإنجازات أن تتحقق لولا الدور الحيوي والفاعل الذي يلعبه مصرف البحرين المركزي في توفير البيئة التنظيمية والتشريعية لانطلاق التكنولوجيا المالية بالتعاون مع شركات التكنولوجيا المالية وبتنسيق وتكامل في الأدوار مع مجلس التنمية الاقتصادية، لأجل تحقيق الريادة إقليميا والتنافسية عالميا، إنفاذا للرؤية الاقتصادية لمملكة البحرين 2030. وفي ظل تداعيات جائحة كورونا أصبح النظام البيئي المصرفي بأكمله تحت ضغوطها، وفرضت التوجه القوي نحو الحلول الرقمية، وأصبحت التكنولوجيا المالية ومنتجاتها العديدة البديل الآمن والأمثل للخدمات المصرفية التقليدية، وخاصة أن البنوك حالها حال بقية الشركات في القطاعات الاقتصادية والخدمية المختلفة أغلقت أبوابها وجمدت نشاطاتها المباشرة مع المتعاملين، واقتصرت على تلك التي تتم إلكترونيا وعبر الإنترنت أو الهاتف البنكي.وقد أكد الأستاذ رشيد المعراج، محافظ مصرف البحرين المركزي هذه الحقيقة بالقول: «لقد أثبتت تداعيات جائحة كوفيد-19 أهمية التوسع في الصيرفة الرقمية وتوفير الحلول المناسبة لأنظمة المدفوعات الإلكترونية». وفي ظل هذه البيئة شهدت مملكة البحرين انعقاد فعاليات النسخة الرابعة من منتدى «فينتك الشرق الأوسط وإفريقيا 2020» للمادة في (24-25) نوفمبر2020، بشكل حيّ ومباشر عبر منصة افتراضية تفاعلية متطورة، تحت شعار «الأعمال المصرفية ما بعد العصر الرقمي»، بتنظيم من بنك ABC وبرعاية مصرف البحرين المركزي. وقد شهد المنتدى حضورا كثيفا من ممثلي الجهات الرقابية والمديرين التنفيذيين وصناع القرار في قطاعات الخدمات المصرفية والتكنولوجيا المالية، والباحثين والأكاديميين المهتمين في هذا الشأن، بلغ عددهم نحو (2000) شخص، حيث أسهم العديد منهم بمناقشة مستقبل قطاع الخدمات المالية ما وراء العالم الرقمي، وبروز ظاهرة «بنوك المستقبل» في ظل الأوضاع الجديدة الناجمة عن تداعيات جائحة كورونا (كوفيد-19) والتي أسهمت في الدفع باتجاه المزيد من الاعتماد على خدمات التكنولوجيا المالية. وقد كان المنتدى فرصة طيبة لبحث السبل الكفيلة بالتصدي لتداعيات الأزمة الراهنة، ومحاولة رسم مسار واضح للتعافي من تأثيرات الجائحة والكشف عن الفرص الجديدة السانحة بغية إحداث تغيير إيجابي جوهري في قطاع الخدمات المالية. وقد كان من أبرز معالم منتدى فينتك الشرق الأوسط وإفريقيا هذا العام الجلسة الحوارية الخاصة بالجهات الرقابية، التي استضافت الأستاذ رشيد المعراج، محافظ مصرف البحرين المركزي، والدكتور أحمد بن عبدالكريم الخليفي، محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي، وديتريش دومانسكي، الأمين العام لمجلس الاستقرار المالي العالمي، الذين قدموا تقييما شاملا لأبرز مؤثرات التكنولوجيا المالية ودور السلطات الرقابية في توفير البيئة التنظيمية والمؤسسية والتشريعية الملائمة لانطلاقة قطاع التكنولوجيا المالية، وبيان أبرز انعكاسات التكنولوجيا المالية على القطاع المصرفي إقليميا وعالميا، ولا سيما أن الظروف الحالية الناجمة عن جائحة كورونا تشهد اندفاعا غير مسبوق من المصارف والمؤسسات المالية لتتواءم مع التغييرات العميقة في بيئة وأنماط العمل المالي والمصرفي، وضرورات الاستجابة السريعة لمتطلبات عملاء البنوك وتطلعاتهم إلى الحصول على خدمات مصرفية أسرع وأسهل وأقل كلفة وأكثر شمولية وأكثر أمانا. كما تعرضت الجلسة الحوارية للقضايا المرتبطة بالعملات الرقمية وكيفية الحد من مخاطرها، ولا سيما على الاستقرار المالي والمصرفي، فضلا عن تعزيز الأمن السيبراني والابتكار ودفع عجلة التطور في الاقتصاد الجديد القائم على التباعد الاجتماعي. وللموضوع بقية في مقال قادم إن شاء الله.{ أكاديمي وخبير اقتصادي
مشاركة :