بغداد: حمزة مصطفى باستثناء زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر لا أحد من زعماء الخط السياسي الأول في العراق يكرر رغبته بعدم تولي رئيس الوزراء نوري المالكي لولاية ثالثة. قبل ثلاثة أيام كانت آخر إجابة على سؤال لأحد أتباعه وهو السؤال الذي تكرر كثيرا هل تؤيد ولاية ثالثة للمالكي؟ كانت إجابة الصدر شديدة الاختصار وهي «من هم؟ أما أنا فلا». (لا) الصدر لم تصطف إلى جانبها لاءات أخرى للشركاء السياسيين الذين لا أحد يرغب منهم تولي الرجل ولاية ثالثة على الرغم من أن المحكمة الاتحادية حسمت أمرها بذلك. أما قيادات دولة القانون فيأتون بأمثلة من دول أخرى عريقة في الديمقراطية تولى فيها زعماء الحكومات في تلك البلدان لعدة دورات ولعل المثل الأبرز الآن ألمانيا وقبلها توني بلير في بريطانيا. الأمر في العراق يختلف والمخاوف التي يعبر عنها الصدر في رفضه الولاية الثالثة ومعه رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي الذي يكرر بين آونة وأخرى نفس الرأي أن الولاية الثالثة في بلد لا يزال حديث العهد بالديمقراطية تكرس الديكتاتورية. وإذا كان السؤال الذي بات يطرح نفسه بقوة بعد إقرار قانون الانتخابات هو.. هل تتغير الخارطة السياسية في العراق بعد الانتخابات فإن ما يجعل الإجابة عن هذا السؤال تبقى معلقة هي أن أحدا لم يتمكن حتى الآن من حسم الإجابة عن سؤال ربما أكثر إلحاحا وهو.. هل يتولى المالكي ولاية ثالثة؟ إذن ولاية المالكي الثالثة لا الخارطة السياسية هي التي تتحكم بمنطق الأحداث في العراق حاليا. المالكي وفي أكثر من تصريح له يرمي الكرة في ملعب الشعب العراقي بينما يرى قياديون بدولة القانون أن الكتل السياسية سعت وبكل قوة من أجل الحيلولة دون أن يتولى المالكي ولاية ثالثة وذلك بعدم تشريع قانون البنى التحتية. عضو البرلمان العراقي عن ائتلاف دولة القانون وعضو لجنة الخدمات والإعمار البرلمانية، إحسان العوادي، يقول في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن «قانون البنى التحتية ومنذ أكثر من سنة ونصف وبالذات منذ 4-5-2011 وحتى اليوم هو موضع جدل ونقاش داخل البرلمان وذلك من خلال استضافة كل المسؤولين بشأن ذلك بدءا من رئيس الوزراء نوري المالكي وانتهاء بالوزراء المعنيين وباقي المسؤولين كما شكلت لجنة برئاسة النائب الثاني لرئيس البرلمان عارف طيفور وتم الاتفاق على صيغة متفق عليها ولكن دائما عندما يصل الأمر للتصويت تقف الإرادة المضادة دون إقراره والسبب الأبرز الذي يقف وراء ذلك أن هذا القانون يحسب للمالكي». ويتهم العوادي ما سماه «اللوبيات المالية في البرلمان العراقي والتي هي تجسيد للوبيات السياسية حيث تتضافر إرادة الفساد مع الإرادة السياسية بالوقوف ضد هذا القانون الذي يوفر بناء المدارس والمنازل والطرق والجسور وغيرها». هذه الإرادة السياسية - المالية التي تقف بوجه إقرار قانون إنما هي تعبير عن الرفض المسبق لتولي المالكي ولاية ثالثة حتى في ظل خارطة سياسية بدأت بوادر تغييرها من خلال ما أفرزته مجالس المحافظات خلال الانتخابات التي أجريت في أبريل (نيسان) الماضي. وفي ضوء تلك النتائج فإن المؤشر العام هو عدم إجراء تغييرات جذرية في الخارطة السياسية إنما ما سوف يحصل هو نوع من إعادة الانتشار. فالقوى الرئيسة المهيمنة والممثلة للمكونات وهي التحالف الوطني (المكون الشيعي) والقائمة العراقية (المكون السني) والتحالف الكردستاني (المكون الكردي) ستبقى هي الرقم واحد بالساحة مع تغيير ملحوظ في مواقعها. المعطيات السياسية تشير إلى حصول نوع من التحالفات الحزبية لا المكوناتية هذه المرة. وحيث إن منصب رئاسة الوزراء من حصة المكون الشيعي فإنه لن يخرج هذه المرة من (التحالف الوطني) الذي في حال لم تفرض إيران إرادتها مجددا فإنه بانتظار القسام الشرعي لتوزيع تركته على الورثة الشرعيين. هذا حصل من قبل للقائمة العراقية التي أعلن أكثر من قطب فيها شهادة وفاتها إلى الحد الذي أعلن فيه ائتلاف العراقية الوطني بزعامة إياد علاوي عن تعيين ميسون الدملوجي الناطقة السابقة باسم العراقية ناطقة باسم الكيان الجديد. وطبقا للقسام الشرعي فإن الحصة الأكبر من العراقية منحت لكتلة «متحدون» التي يتزعمها أسامة النجيفي. فيما توزعت باقي الحصص بين صالح المطلك وعلاوي نفسه مع أنه الأب الشرعي للقائمة الذي خذله أبناؤه بعد أن فضل الكثير منهم مقاعد البرلمان والوزارات على المشروع الوطني. وبينما لا يزال التحالف الكردستاني صامدا فإن غياب الرئيس جلال طالباني واستمرار وضعه حرجا حتى هذه اللحظة إنما يمثل إحراجا للتحالف الكردستاني سوف ينعكس على تحالفاته المستقبلية وذلك لجهة احتمال خسارته منصب رئاسة الجمهورية في حال استمر التفاهم الصامت بين المالكي والنجيفي وهو ما يمهد بالضرورة لولاية ثالثة للمالكي مع وصول النجيفي لرئاسة الجمهورية وهو ما يعني عدم رضا نصف التحالف الوطني وفي الأقل المجلس الأعلى والتيار الصدري. وإذا كان التيار الصدري سيبقى «قافلا» على رفض المالكي فإنه في حال الوصول إلى تسوية مع المجلس الأعلى فإن شكل الخارطة يكون أوضح ما هو عليه. وكعادتهم يبقى الأكراد بيضة القبان من جديد ولكن هذا يتوقف على مدى تماسك تحالفهم الحزبي والسياسي مع الإقرار أنه يتوجب عليهم مواجهة خارطة سياسية بتضاريس مختلفة إلى حد كبير.
مشاركة :