تفرض الظروف على مملكة البحرين نمطا خاصا يجب وضعه في الحسبان جيدا عند الحديث عن الزراعة والأمن الغذائي، ففي الوقت الذي يتنافس فيه العالم على حجم إنتاجية الفدان وجودة المحصول وكم توفير المياه والحفاظ على البيئة، تمثل الظروف وتشمل (المناخ – مساحة الأرض – طبيعة التربة – شح المياه) عوائق صعبة أمام التقدم البحريني في هذا القطاع، فهل أوجدت التكنولوجيا حلولا لمواجهة «الحالة البحرينية» بكل تعقيداتها الزراعية؟ والتغلب على كافة هذه الصعاب؟التكنولوجيا لعبت دورا فعالا وغير متوقع في تطوير قطاع الزراعة، بدءا من عمليات الزراعة الحديثة بكل تفاصيلها بما في ذلك الاستغناء عن التربة أصلا، واستخدام الروبوتات في الزراعة، وحتى بيع المحاصيل إلكترونيا وتوصيلها للمستهلك الأخير في ظرف ساعات قلائل.. فقد أصبح بالإمكان اليوم زراعة المحاصيل في ترب كان من الصعب التعامل معها سابقا باستخدام التكنولوجيا الحيوية الزراعية، ومع هذه التكنولوجيا المتطورة ومن خلال الهندسة الوراثية تم تصميم النباتات للبقاء على قيد الحياة في ظروف الجفاف، كما تمكن العلماء من إدخال سمات معدلة في الجينات الموجودة بهدف جعل المحاصيل مقاومة للجفاف والآفات.الحلول الروبوتيةبات النهج التقليدي للزراعة من بقايا الماضي ولابد من التخلص منه قدر الإمكان في البحرين إذا أردنا تطويرا حقيقيا للقطاع، الحلول الروبوتية قادرة اليوم على حساب عمق الزراعة المثالي للبذرة، ومراعاة المسافة بين النباتات، وكمية المياه، وإمدادات الشمس.بل بات من الممكن مراقبة وتحليل الحصاد باستخدام الطائرات من دون طيار، من خلال جمع البيانات عن الحالة الحالية للمحصول وإرسالها إلى الهاتف الذكي للمزارع، كما تسمح البيانات التحليلية الدقيقة للمزارعين باتخاذ إجراءات فورية أو ببساطة ضمان إنبات المحاصيل كما هو مخطط له.أحد التحديات الرئيسية التي يواجهها المزارعون اليوم هو الاستخدام الرشيد للمياه والاسمدة، وأصبحت الروبوتات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي قادرة على أن تقترح الكمية المثلى من الماء، ومبيدات الأعشاب لتلائم تمامًا احتياجات النبات، وتوفر أكبر قدر ممكن من المياه، وهذه أمور تهمنا بشدة في البحرين حاليا لأن منطقة الخليج بشكل عام تعاني من «فقر مائي» بالفطرة.وفي الوقت الذي يراقب فيه الروبوت الزراعي حالة المحاصيل ويؤدي مهامًا روتينية أخرى، يمكن للمزارع التركيز بشكل كامل على تحسين إنتاج مزرعته وربحيتها، كما يمكنه التركيز على استراتيجية العمل، وإيجاد قنوات توزيع جديدة، وجعل المزرعة أكثر صداقة للبيئة.ويُعد حصاد الروبوتات الخطوة التالية في تطوير الروبوتات الزراعية، ولكن تكمن صعوبة هذا الحل في حقيقة مفادها أنه من الضروري تزويد الروبوت برؤية الكمبيوتر، وتعليمه التمييز بين الفاكهة الناضجة وغير الناضجة، والفاسدة والطازجة، وتدريبه على قطف الفاكهة بعناية حتى لا يقوم بإتلافها.. وهي أمور أعتقد أنها ستشهد تطورا كبيرا في المستقبل القريب.النموذج السنغافوريفي سنغافورة مثلا لا تشكل المزارع أكثر من 1% من إجمالي أراضيها في وضع مشابه جدا لوضع البحرين (تبلغ هذه النسبة 40% في الولايات المتحدة)، ما يدفع الدولة الصغيرة إلى إنفاق حوالي 10 مليارات دولار سنويًا لاستيراد 90% من طعامها (حالة مشابهة تماما لمعظم دول الخليج والبحرين)، ولأن Covid-19 جعل الأمن الغذائي قضية رئيسية بالنسبة إلى العالم أجمع؛ تستثمر سنغافورة الآن بكثافة في الزراعة عالية التقنية؛ حيث تحاول أن تصبح أكثر اكتفاءً ذاتيًا؛ لذا ابتكرت إحدى شركات الزراعة المتخصصة هناك طريقة جديدة للزراعة الأفقية بداخل حاويات فارغة على لمبات ليد ومحاليل من دون تربة، مع تحكم «تكنولوجي» كامل في كافة مراحل العملية الزراعية!الوضع في البحرينيصلح النموذج السنغافوري كثيرا للتطبيق في البحرين مع الوضع في الاعتبار عدم بداية التجربة من أولها بل يكفي الاكتفاء بالنتائج الأخيرة للتجربة والبناء عليها، هناك أجهزة تقنية حديثة حاليا تستخلص بخار الماء من الجو وتحوله إلى مياه للري بحساب محدد وفق احتياج كل نبات، عمليات تدوير المياه باتت هناك تقنيات أيضا تقوم بهذه الأمور بكفاءة عالية جدا.. مع استخدام الروبوتات والطائرات المسيرة في الري ومتابعة الحصاد.التوسع في التقنية الحديثة مع وضع استراتيجية زراعية تدمج بين أراضي الدولة والأراضي الخاصة «بالتنسيق مع الملاك» سيكون له أبلغ الأثر في سد الفجوة الغذائية في البحرين، فهل يمهلنا القدر لنرى البحرين دولة زراعية متقدمة تقنيا؟
مشاركة :