مقتطفات من فلسفة(جان جاك روسو) في التربية - يوسف بن عبد العزيز أبا الخيل

  • 8/19/2015
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

التربية والتعليم صنوان لا يفترقان، فلا تعليم جيداً دون تربية جيدة. وهما متساوقان في الواقع، وإن سبقت التربية التعليم بطبيعتها. والذين تناولوا مسألة التعليم بالبحث والنقاش والتنظير، لم يفصلوا بينه وبين التربية، بل تحدثوا عنهما بوصفهما عنصرين متلازمين، وأن كلاً منهما يعزز الآخر. ويعد جان جاك روسو،(توفي 1778م)، أحد أبرز فلاسفة عصر التنوير الذين أولوا نظرية التربية والتعليم قسطاً كبيراً من اهتماماته كفيلسوف ومفكر. فلقد ابتكر نظريات في مجالي التربية والتعليم، لا تزال موضع اهتمام واستصحاب من المهتمين بالتربية والتعليم، ومن واضعي السياسات التربوية والتعليمية إلى يومنا هذا. لقد أكد روسو، على أن التربية الحديثة المنتِجة إنما تكون بالممارسة، وليست بتلقين الطفل، والطالب عموماً، بمعلومات نظرية قد لا يعلم معناها، بقدر ما هو مطالب بحفظها وتأديتها يوم الامتحان. هنا نلحظ كيف يركز روسو، كما هم فلاسفة التنوير الآخرون ممن اهتموا بهذا الجانب، على انتقاد آلية التلقين والحفظ.. ولضيق المساحة المعطاة عادة لمقال مثل هذا المقال، فإني سأقتصر على عرض بعض وصايا هذا الفيلسوف ورؤاه فيما يخص جانب التربية فقط، بعد أن تحدثنا في المقالين السابقين، وفي ما قبلهما عما يخص الجانب التعليمي البحت. لقد مثَّل كتاب روسو:(إيميل) نقلة كبرى في نقل نظرية التعليم الغربية من بيئة المدرسة السكولائية، ذات المنهج التلقيني الخرافي، إلى بيئة المدرسة الحديثة، ذات المنهج التحليلي التفسيري البرهاني، المنهج الذي يتغيى خلق عقول برهانية منطقية، عقول متشككة متسائلة فضولية. وهذا المنهج التعليمي الحديث، يتطلب بدوره تأسيس منهج، أو نظرية تُعنى بالتربية كوعاء حامل للتعليم، وللسلوك بوجه عام. لقد أكد روسو في كتابه آنف الذكر، على أن التربية الحديثة المنتِجة إنما تكون بالممارسة، وليست بتلقين الطفل، والطالب عموماً، بمعلومات نظرية قد لا يعلم معناها، بقدر ما هو مطالب بحفظها وتأديتها يوم الامتحان. هنا نلحظ كيف يركز روسو، كما هم فلاسفة التنوير الآخرون ممن اهتموا بهذا الجانب، على انتقاد آلية التلقين والحفظ، سواء في التربية أم في التعليم، بوصفها آلية لا تنتج إلا أفراداً على هيئة ببغاوات تردد ما تلقنه، وتعادي ما لم تلقنه. من جانب آخر، ركز روسو على أهمية التفاعل الإيجابي مع حوادث الطبيعة في تربية الطفل على التعلم من أخطائه، ومما يحصل له في الحياة من سقم وأخطاء وتعاسة، ثم الانطلاق منها نحو تشكيل شخصية شجاعة غير هيابة، شخصية ليست حساسة، أو متهاودة تجاه حوادث الطبيعة والاجتماع. ومن أجل ذلك، يحذر روسو من إشعار الطفل عندما يحصل له حادث ما: طبيعياً كان أم اجتماعياً، بالتعاطف الزائد معه، إذ سيضيف ذلك إلى شخصيته ضعفاً وتردداً وجبناً. وبدلاً من التعاطف، وخاصة التعاطف الزائد، يجب أن يُشعر الطفل بأن ما حصل له شيء طبيعي لا بد وأن يحصل لأي إنسان في حياته، وستحصل له حوادث مثلها، أو مختلفة عنها، في الغد، أو بعد الغد، أو في قادم الأيام مادام يعيش في هذه الدنيا؛ وأن عليه أن يتعلم منها لكي يتغلب عليها وعلى آثارها، ويتعلم كيف يقاومها ومثيلاتها. وعلى ذلك، يلفت روسو المربين والوالدين إلى أهمية تربية الطفل على مجابهة الآلام التي قد تحيط به جراء مناظر الرعب مثلاً، أو إصابته هو شخصياً ببعض الآلام. كيف نستطيع أن نربي الطفل على تحمل الآلام التي تصيبه، سواء الحسية منها أو المعنوية، وكذلك على تحمل مناظر الرعب التي تجابهه؟ يجيب روسو: يجب أن ندعه يتألم مما يصيبه، مما لا يُعرِّض حياته للخطر، كآلام الجروح السطحية، وكآلام السقوط العادي غير المؤثر بكسور، ونحوها. ذلك أن إظهار الهلع والقلق مما أصابه، والتعاطف معه، سيصيبه مستقبلاً بالخوف الذي يجعله غير هياب ولا شجاع. وإن التصرف الأفضل، وفقا لروسو، هو أن لا تُظهر، كوالد أو مرب، قلقك وخوفك عليه، أو الإيحاء إليه بأنه في وضع سيئ، أو أنه مصاب، فذلك يجعل(لا وعيه) يكتنز بالخوف من أبسط الأشياء. وعلى الوالدين والمربين أن يتظاهروا بأنهم لم يكترثوا بما حصل له، وأن ما حصل له شيء طبيعي جداً. فالتعلم من الآلام سيجعله شجاعاً محتملاً للآلام التي تصيبه مستقبلاً. وعكس ذلك، سيجعله عندما يكبر ويصير شاباً ثم رجلاً، رعديداً جباناً يتوهم الموت بمجرد أن تسيل قطرة دم منه، أو جراء وخزة إبرة تصيبه، كما قد يغمى عليه بمجرد أن يرى حادثاً أمامه! ويؤكد روسو على أن مثل هذا النهج في التعامل مع الطفل، سيعزز قدراته النفسية في مواجهة مصاعب الحياة مستقبلاً. ويلفت روسو، من جهة أخرى، انتباه المربين والوالدين إلى أنهم قد يتسببون في تنشئة شخصيات عدوانية من جهة، وفاقدة للثقة بنفسها من جهة أخرى. ويكون ذلك من خلال الاستجابة لجميع مطالب الطفل، تلك الاستجابة التي تجعله يشعر بأن الجميع خدم له وعبيد، وأن بإمكانه تحقيق أي شيء يطلبه. وعندما يطلب شيئاً ثم لا يتحقق لأي سبب من الأسباب، فإنه سيلجأ إلى إساءة الظن بجميع من حوله، وبالشعور بالظلم واقعاً عليه. ونتيجة لشعوره سابقاً بأنه يستطيع الحصول على كل شيء، وأنه الآن يمنع من أشياء معينة يطلبها، فإنه لا يستطيع أن يتفهم دوافع منعه منها، أو عدم قدرة من حوله على توفيرها له، وسيتولد لديه بالتالي شعور معاكس، وهو أنه لا يستطيع الحصول على كل ما يطلبه، فيتحول طبعه إلى التسلط الناتج من عدم الثقة بالنفس. ووفقاً لروسو، فإن من مظاهر التسلط وعدم الثقة بالنفس عند الطفل، نتيجة لوقوعه بين شعورين متعاكسين، بكاءه عندما يلح على طلب شيء يمنع منه. لذا يرى روسو أن من الأفضل تجاهل بكاء الطفل وإلحاحه مادام الأمر الذي يطلبه يتعلق بنزوة من نزواته، وليس بشيء من حاجاته الأساسية. لمراسلة الكاتب: yabalkheil@alriyadh.net

مشاركة :