التغافل هو الترفع عن الدنايا وسفاسف الأمور وهفواتها التي لا تغير الحقائق. نعم كم من مشاكل وقعت في المجتمع كان سببها عدم التغافل! كم وقع بين الزوجين أو بين الأقارب والأصحاب من مشاكل كان سببها تقصي بعضهم على بعض وتتبع الأخطاء والبحث عن المقاصد! ولو أنهم أتقنو لغة التغافل لزال عنهم شر كثير، كما قال الأعمش -رحمه الله-: "التغافل يطفئ شراً كثيراً"، إذاً ما الذي سنخسره حين نتغافل وندع سفينة الحياة تسير بنا إلى بر الأمان؟ ولماذا نغمض أعيننا عن الصفات الرائعة فيمن حولنا والجوانب الجميلة في حياتنا ونسلط الضؤء على القصور والجوانب السلبية؟في كل حياتنا ومع كل المحيطين بنا ومن نتعامل معهم نحتاج إلى تطبيق هذا المنهج يومياً، لأن من شأن بعض هذا التغاضي انتشال بيوت زوجية من الخراب وصداقات من الانهيار وأعمال من التحطيم. قال الله تعالى: (عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ) وذلك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يخبر حفصة بكل ما قالت؛ بل أخبرها ببعضه وأعرض عن بعضه، فلم يخبرها به ولم يعاتبها عليه؛ لحسن خلقه، وكريم نفسه.أخي القارئ جميعنا فيه نقص، ولا يوجد بيننا اليوم شخص كامل فالكمال لله وحده، فلابد أن يتقبَّل كل مِنَّا الآخر، ولابد أن نتغافل مع مَن حولنا، وخصوصاً مَن نحن مسؤولون عنهم من أبناءٍ أو موظفين أو عمال، فكما أن هناك أخطاء قد تصدر منهم، فإن لهم إيجابيات لاتنسى يجب أن نتذكرها لهم، وأن نغض الطرف عن أخطائهم لنعيش في سلمٍ وأمان وأمن واستقرار، في ظل ما يحيط بنا من ضغوط الحياة. لذلك قيل إن الإمام ابن حنبل سُئل: «أين نجد العافية؟» فقال: «تسعة أعشار العافية في التغافل عن الزلات»، ثم قال: «بل هي العافية كلها».إذاً التغافل مهارة وفن لمن يتفهمها، وإن كان في ظاهره للناس غباء وغفلة، إلا أنه في الحقيقة صبر وحكمة. يقول الحسن البصري -رحمه الله-: “ما زال التغافل من فعل الكرام”. لابد وأن يكون ميزاننا وتقييمنا للآخرين شاملاً فلا ننسى خيرهم وصالح أفعالهم لمجرد هفوة أو زلة، ولتعلم أيضاً أن التغافل عن بعض الأخطاء في حقك الشخصي يديم الألفة،ياغالي تذكر أن أولى الناس بالتغافل هم من نرجو مودتهم، ونحسن بهم الظن، من ساندونا وقدموا لنا المعروف؛ فلا ينبغي أدبياً أن يُمحى فضلهم بخطأ أو زلة غير مقصودة. وأخيراً التغافل لغة لا يقوم بها ولا يفهمها سوى كبار العقول، أصفياء النفوس، من يهتمون بكسب الأشخاص قبل كسب المواقف. اللهم أصلح ذات بيننا وأصلح فساد قلوبنا ولا تجعل للشيطان مكان بيننا. *همسة* وَمَنْ لَمْ يُغْمِضْ عَيْنَهُ عَنْ صَدِيقِهِ وَعَنْ بَعْضِ مَا فِيهِ يَمُتْ وَهْوَ عَاتِبُ وَمَنْ يَتَطَلّـَبْ جَاهِدًا كُلَّ عَثْرَةٍ يَجِدْهَا وَلا يَسْلَمْ لَهُ الدَّهْرَ صَاحِبُ monshiaa@gmail.com
مشاركة :