تختلف معايير تعريف العنف الأسري من بلد لآخر ومن عصر لآخر، وللعنف الأسري أشكال عدة تتمثل في الاعتداء الجسدي كالضرب , أو التهديد النفسي كالاعتداء الجنسي, أو الاعتداء العاطفي كحب السيطرة و ممارسة الدكتاتورية والتخويف و الاستبداد, أو الاعتداء السلبي الخفي مثل الاهمال أو الحرمان الاقتصادي والاكراه على الاجرام والحبس غير القانوني و الملاحقة. لقد توصل العلماء لعدة نظريات حول أسباب العنف الأسري, منها النظريات النفسية التي تحلل الوضع النفسي والعقلي لمرتكب الجريمة, وكذلك النظرياتالاجتماعية التي تبحث في بيئة الجاني وكيان الأسرة والتعلم الاجتماعي. ويعود تاريخ العنف الأسري الى ما قبل فترة طويلة من الزمن حيث كان ينظر اليه على انه أمر عائلي خاص, لا يحتاج الى تدخل الحكومة أو العدالة الجنائية,حيث كانت الجهات القانونية ترفض التدخل في اعتقال الجاني, وبدلا من ذلك تنصح بالمصالحة أو توجيه أحد الطرفين بترك المسكن لفترة. ويأتي صدور قانون الحماية من العنف الأسري في مملكة البحرين ـ الذي صادق عليه جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة المفدى ـ كخطوة تقدمية ايجابية ترصد حماية حقوق الأسرة البحرينية ورقيها. ويضع جلالة الملك المفدى مؤشرات وطنية لرصد حالات العنف الأسري من خلال هذا القانون، حيث تأتي الأحكام العامة لهذا القانون شاملة لكافة أشكال العنف المنزلي التي من الممكن أن تخطر على بال أي شخص, منها الجسدية والنفسية والجنسية وأمر الحماية منها الذي يسهم في التخفيف من حدة آثار العنف الأسري وخاصة آثار المدى الطويل سواء على الأطفال أم الكبار, والآثار النفسية والصحية والجتماعية والاقتصادية الناتجة عنه. ان قيام جلالة الملك بهذه الخطوة المهمة و التاريخية يعد معالجة للمجتمع من خلال ضمان حقوق الأفراد الضحايا و وقايتهم من التعرض للايذاء مجددا. حيث تشير جميع بنود أو مواد القانون الى أن العنف الأسري ينبغي أن يعتبر قضية عامة, كما و ينبغي أن تشارك في معالجته بجدية جميع السلطات الجنائية المعنية ويجب التعامل مع واقعة العنف بصرامة فور الابلاغ عنها من جهة, و من جهة أخرى تفعيل دور الارشاد النفسي والاستجابة الطبية للواقعة وتقديم الاستشارات للأفراد المتضررين, لما له من أهمية قصوى في بتر الآثار السلبية للاعتداء و تقليل الضغط النفسي على الضحية, حيث أن متابعة حالة الضحية النفسية تحدث فرقا ايجابيا كبيرا ومهما في حياته بجميع أصعدتها. ولا ننسى كذلك أهمية تثمين المجلس الأعلى للمرأة ـ الذي تترأسه صاحبة السمو الشيخة سبيكة بنت ابراهيم آل خليفة ـ على مصادرة القانون,حيث أن المجلس يعتبر هذه البادرة الطيبة من لدن جلالة الملك المفدى خطوة مهمة على طريق استكمال المنظومة التشريعية الخاصة بالأسرة, و تضع مملكة البحرين في مصاف الدول المتقدمة في هذا المجال, و كم نحن فخورون بذلك. وان تأكيد المجلس ـ على أن صدور هذا القانون سيسهم في الحد من حالات العنف الأسري و الحفاظ على كيانها من التفكك ـ ليبعث الاطمئنان في نفوس الكثيرين الذين يعانون من العنف و الاضطهاد الأسري, لأنه بلا شك يضمن عدم افلات المعتدي من العقاب. وختاما لا يسعني سوى أن أؤيد وأتفق مع تأكيد المجلس الأعلى للمرأة في هذا الصدد على ضرورة تكاتف جهود جميع الجهات ذات الاختصاص للسير قدما في طريق القيام بخطوات أخرى مشابهة, لاصدار الشق الثاني من قانون أحكام الأسرة, وانشاء محاكم أسرية لمعالجة القضايا الأسرية وحفظ خصوصية الأسرة البحرينية, على اعتبار ان تقنين أحكام الشريعة ضرورة حتمية من ضرورات العصر لتتوافق مع السياسة العامة للمملكة لأسرة آمنة و وطن آمن. ] ريتا قاسم
مشاركة :