يومٌ لا يُنسى.. وسنةٌ مصيرُها النسيان!

  • 12/4/2020
  • 02:06
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

«إنه يوم لا يُنسى في سنة يجب أن تُنسى».. هكذا كان وزير الصحة البريطاني ماثيو (مات) هانكوك مُصيباً في وصفه الفرحة بإعلان وكالة الأدوية ومنتجات الرعاية الصحية البريطانية (المعادل البريطاني لهيئة الغذاء والدواء الأمريكية، ووكالة الأدوية الأوروبية التابعة للاتحاد الأوروبي) أنها قررت فسح اللقاح المضاد للإصابة بفايروس كورونا الجديد المسبب لمرض كوفيد-19، الذي ابتكره علماء شركة بيونتك الألمانية، وتولت تصنيعه شركة فايزر الأمريكية. وزاد هانكوك أن ظهور هذا اللقاح يعدّ «انتصاراً للعِلم». وهي بالفعل لحظة تاريخية ظل مليارات البشر في أنحاء الكوكب الأرضي ينتظرونها بتلهف شديد، خصوصاً أن الفايروس قرر معاملة كل شبر في العالم بالمثل. فقد تواصلت موجاته العاتية، حتى بلغ العدد التراكمي للمصابين به أكثر من 65 مليون نسمة، توفي منهم نحو 1.5 مليون شخص. ولم تقتصر خسائره على الأرواح. فقد دمّر جميع قطاعات الاقتصاد في كل مكان. وانهارت الخدمات الصحية في أكبر البلدان بسبب الضغوط الكثيفة على طاقاتها الاستيعابية. وتوقف تعليم مئات الملايين من التلاميذ والطلاب. ومنيت شركات الطيران بضربة قاضية لم تفق منها حتى الآن.أول حقيبة وزاريةوبإقرار لقاح فايزر- بيونتك، تصبح بريطانيا الدولة الأولى في العالم التي تقود المعركة الأخيرة لدحر الوباء. واضطر رئيس وزرائها المحافظ بوريس جونسون الأسبوع الماضي الى إنشاء أول حقيبة وزارية من نوعها في العالم. فقد عيّن السبت الماضي النائب البرلماني عن حزب المحافظين الحاكم ناظم زهاوي وزيراً لشؤون التطعيم باللقاح المضاد لفايروس كوفيد-19. وسيشرف زهاوي على تجهيز ضوابط تطعيم ملايين البريطانيين. وهو من مواليد بغداد، في 1967. ويعتبر ثاني أغنى نائب في البرلمان البريطاني.ومع أن روسيا والصين فسحتا اللقاحات التي أنتجها كل منهما، إلا أن فسحهما لا يعتبر معتمداً في أوروبا والولايات المتحدة. ولهذا تمسكت مسؤولة التراخيص في الوكالة البريطانية للأدوية ومنتجات الرعاية الصحية جون راين، غداة إعلان الموافقة على لقاح فايزر-بيونتك، بأن الوكالة لم تتهاون في ضوابطها المحددة. وأكدت أن اللقاح المذكور يستوفي أشد المتطلبات صرامة، خصوصاً متطلبات المأمونية (السلامة)، والنجاعة، والجودة.اللقاح المأمونوالملاحظ أن الاتحاد الأوروبي انتقد الخطوة البريطانية. فقد قال وزير الصحة الألماني جينس ساهن، عقب اجتماع لوزراء الصحة الأوروبيين، إن الفكرة ليست أن تكون بريطانيا الأولى، أو السبّاقة، وإنما الغرض هو إيجاد لقاح مأمون، مضمون الفعالية، بحيث يؤدي ذلك الى إشاعة ثقة جماهيرية في اللقاح في أتون الجائحة.ولم ينس الإشارة الى أن شركة بيونتك، التي أسسها العالمان التركيان الألمانيان الدكتور أوغور شاهين وزوجته الدكتورة أوظليم تورتشي حصلت على دعم مالي ضخم من الاتحاد الأوروبي لتطوير هذا اللقاح. وذكر أن الخلاف بين بريطانيا ونهج الاتحاد الأوروبي في هذه المسائل الدقيقة ربما يسفر في النهاية فقط عن اختلاف في توقيت فسح اللقاح. وزاد أن بريطانيا لا تزال عضواً في الاتحاد الأوروبي، وقد قررت اعتماد لقاح أوروبي، وهو أمر طيب. وأعلن مسؤولو الوكالة الأوروبية للأدوية في بروكسل أن إجراءات الفسح الخاصة بها تتطلب تقديم مزيد من الأدلة على سلامة اللقاح ونجاعته، وهو ما يتطلب تدقيقاً أكبر مما قامت به بريطانيا. وذكرت الوكالة أنها ستحدد في 29 ديسمبر الجاري ما إذا كانت ستصدر فسحاً بموجب حالة الطوارئ الصحية للقاح المذكور، الذي قال صانعوه إن تجاربه السريرية أثبتت قدرته على توليد مناعة ضد فايروس كوفيد-19 بنسبة وصلت الى 95%.حمى اللقاحاتلكن حمى اللقاحات لا تتوقف عند فايزر- بيونتك وحدهما. فهناك لقاح آخر ابتكره علماء المعاهد القومية الأمريكية للصحة العامة، وتولت تصنيعه شركة موديرنا الدوائية الأمريكية العملاقة. وأعلنت موديرنا أن بيانات تجاربها السريرية أكدت نجاعته بنسبة وصلت الى 94%. كما أن هناك لقاحاً واعداً آخر ابتكره علماء معهد جينر للقاحات، التابع لجامعة أكسفورد البريطانية العريقة، وتتولى تصنيعه شركة أسترازينيكا، عملاق الأدوية البريطاني.بيد أن اللقاحين الأمريكيين مختلفان اختلافاً كبيراً عن اللقاح الإنجليزي، وإن كانت اللقاحات الثلاثة ستحقق الغرض نفسه، وهو منع الإصابة بفايروس كورونا الجديد. ويقوم لقاحا فايزر-بيونتك وموديرنا على استخدام تكنولوجيا لم تسبق للعلم تجربتها في مجال الأمصال. وهي تكنولوجيا تعزل عينة من التركيب الوراثي للفايروس، بحيث ينتج المصل بروتيناً شبيهاً بالبروتين (الدهون) التي تظهر على سطح الفايروس الحقيقي. وحين يراه نظام المناعة فإنه يحشد خلاياه الدفاعية لصد هذا الجسم الغريب. ويبقى ذلك الاستعداد الحربي جاهزاً للتصدي الفوري إذا حاول الفايروس النفاذ الى خلايا الجسم. وهو ما يسمى بمرسال الحمض النووي الريبي. وعلى النقيض من ذلك، فإن لقاح جامعة أكسفورد يستخدم جزيئات نافقة من فايروس الإنفلونزا، الشبيه جداً بفايروس كورونا الجديد، يتم حقن الجسم بها ليقوم جهاز المناعة بشن هجمة مرتدة قوية إذا حاول الفايروس إصابة الفرد. وهي الوسيلة التقليدية لصنع اللقاحات، خصوصاً أن الطبيب البريطاني إدوارد جينر، الذي يحمل المعهد المطور للقاح الجديد اسمه بجامعة أكسفورد، كان أول من اخترع لقاحاً بالمعنى الحديث للكلمة في القرن التاسع عشر.أدوار نسائية محوريةومن المفارقات أن النساء قمن بأدوار محورية في صنع اللقاحات الثلاثة؛ إذ تولت البروفيسور سارة غيلبرت قيادة الفريق الذي أنتج لقاح أكسفورد. فيما تولت دوراً كبيراً في تطوير لقاح شركة بيونتك الألمانية العالمة الألمانية التركية المولد أوظليم تورتشي، التي أسست هي وزوجها الدكتور شاهين شركة بيونتك. أما الدور الأكبر في تطوير لقاح شركتي فايزر-بيونتك فقامت العالمة الأمريكية الهنغارية الأصل البروفيسور كاتالين كاريكو، التي ظلت تبحث على مدى أربعة عقود إمكان الاستفادة من مرسال الحمض النووي في صنع الأمصال والأدوية. وقد بدأت عملها في هذا المجال في هنغاريا في عام 1978، ثم انتقلت الى الولايات المتحدة في 1985. وكادت تفشل، إلا أنها تمسكت بهدفها. وكانت أكبر عقبة واجهتها، بحسب قولها في مقابلة معها نشرتها صحيفة «ديلي تلغراف» البريطانية الأسبوع الماضي، تمثلت في أن مرسال الحمض النووي الريبي mRNA إذا تم حقن الإنسان به فإنه يصاب بالتهابات. لكنها تمكنت في عام 2004، بمعاونة زميلتها درو فيسمان، من حل تلك المعضلة، بإضافة نيوكليوسايد ضمن مادة الحمض النووي. وتقوم نظريتها على أن جزيئات مرسال الحمض النووي mRNA تحمل شفرة وراثية تصدر تعليمات للخلايا الإنسانية لتقوم بإنتاج بروتينات (دهوناً) محددة. وترى البروفيسور كاريكو، التي تقيم في بنسلفانيا، أنه إذا أمكن تشفير مرسال الحمض النووي بشفرة محددة داخل المختبر، فلتكن تعليمات للجسم ليخوض معركة جيدة ضد عدد كبير من الأمراض. واعترفت كاريكو بأنها أيقنت في تلك اللحظة أنها توصلت الى شيء كبير الأهمية. ونشرت كاريكو وفيسمان ورقة علمية بهذا الشأن في 2005. ومهدت بذلك الطريق الى ابتكار لقاح فايزر-بيونتك في 2020. فقد انضمت الى بيونتك في 2013. واستعان العلماء بهذا الكشف ليبتكروا المصل الأمريكي الآخر، الذي تقوم بتصنيعه شركة موديرنا. والمذهل أن العلماء الذين يقفون وراء ابتكار لقاح موديرنا أكدوا أن بيانات المرحلة الثالثة من تجاربه السريرية أكدت نجاعته بنسبة 100%.اللقاحات الثلاثة.. السلاح الوحيدمن أهم أوجه الاختلاف بين اللقاحات الواعدة الثلاثة التي توشك أن تصبح متاحة للإنسانية في غضون أسابيع أن أحدها يختلف عن الآخريْن من حيث التكنولوجيا التي تتم صناعته بها. كما أن كلاً منها يحتاج الى درجة حرارة بعينها للحفاظ عليه أطول وقت قبل الاستخدام. فمن الناحية الأولى يتم تصنيع لقاح جامعة أكسفورد، في معامل شركة أسترازينيكا ومصانعها وفق التكنولوجيا المتوارثة منذ بداية تطوير الأمصال في بريطانيا. وهي أيضاً الطريقة التي تقوم عليها صناعة اللقاحات في معهد الأمصال الهندي، الذي يعتبر أكبر مصنع للقاحات في العالم. ومن إيجابيات هذه التكنولوجيا أنها تنتج مصلاً يمكن حفظه في درجة حرارة ثلاجة المنزل أو المركز الصحي العادية. أما لقاحا موديرنا وفايزر فيتم تصنيعهما من خلال تكنولوجيا لا يوجد ما يضاهيها في أرجاء العالم الأخرى. ولكي تتمكن مصانع اللقاحات الأوروبية والبريطانية من إنتاج هذين اللقاحين سيتعين عليها إحداث طفرة تكنولوجية سريعة وعالية الكلفة. ومن سلبيات هذين المصلين أنهما يتعين بعد خروجهما من مصنعيهما أن يحفظ لقاح فايزر- بيونتك في برودة تتدنى إلى 75 درجة مئوية تحت الصفر، وأن يحفظ لقاح موديرنا في برودة لا تقل عن 20 درجة مئوية تحت الصفر. ويعني ذلك أن هذين اللقاحين القائمين على تكنولوجيا تعتبر الأحدث في العالم يتطلبان بنية تخزين مبرد على نطاقات واسعة في البلدان التي تفتقر إلى الكهرباء، والوقود، والتكنولوجيا المتقدمة. بيد أن الأمصال الثلاثة هي السلاح الوحيد بيد الإنسانية لصد جائحة كورونا.< Previous PageNext Page >

مشاركة :