بعد كتابه «عن الأحلام (On dreams)» الذي أثبت فيه أن الأحلام ليست قادمة من السماء؛ بل هي زيادة في النشاط العقلي تتيح للاوعي أن يعمل على راحته كأي مخرج مسرحي أو سينمائي ليخرج عملاً نسميه «الحلم»، مستعينًا بالعناصر نفسها التي يستعين بها المخرج في العمل الفني من ترميز وتلخيص واختصار. اختصر ذلك كله في وصف بسيط هو أن «الحلم تحقيق رغبة»، وهو ما سبقه إليه المصطلح الشعبي في مصر بمئات السنين عندما شخّص ظاهرة الأحلام بطريقة أكثر إبداعًا، عندما قال إن «الجَعَان يِحْلَم بسوق العيش» وهذا صحيح، حتى في أحلام اليقظة، أنت تحلم بما أنت جائع إليه. بعد قراءة الكتاب، أرسل له أحد أصدقائه خطابًا يقول فيه: «الغريب أنني أحلم أحيانًا أحلامًا أشبه بالنكتة» الملحوظة سليمة.. عدد من أحلامنا أشبه بالنكت. وهنا تساءل فرويد: هل اللاوعي عند الإنسان يخرج النكتة تمامًا مثلما يخرج الحلم؟ وهنا بدأ فرويد العمل في أول بحث علمي في التاريخ يتناول النكتة وعلاقتها باللاوعي. وخرج من ذلك بأول وآخر كتاب في التاريخ يتعرض لهذا المبحث وهو: «النكت وعلاقتها باللاوعيJokes and their relation to the Unconscious» وهو في هذا الكتاب يتناول النكتة بمعزل عن الكوميديا، بوصفها مرجعية أساسية. هو يتعامل معها بوصفها مصنفًا إبداعيًا مستقلاً. ولأنه أستاذ ولا ينسى ذلك، فقد كان حريصًا على الرجوع لكل من تكلم عن النكتة من بعيد أو قريب ليبدأ بها كتابه. الكتاب مهم جدًا ليس لهواة النكتة، بل لهؤلاء الذين وقعوا فريسة للنكد. فعلى الأقل هو يشرح لنا لماذا كنا نضحك على النكتة. الجديد بالنسبة لي على الأقل، هو ما قدمه من تفسير للدوافع النفسية عند قائل النكتة The Joke sayer، ستلاحظ أن الشخص الذي اشتهر بإلقائه النكت بشكل ظريف، يحرص على قولها لأي جماعة يوجد بينها.. هو شخص مكتئب، وقوله للنكتة لن يخلصه من الاكتئاب كما يتبادر إلى ذهنك، بل ستكون متعته هي أن يراك تنفجر ضاحكًا.. في تلك اللحظات سيشاركك هو في الضحكة نفسها. هو لا يقول النكتة ليمتعك أنت، بل ليستمتع هو شخصيًا. كتابة الفكاهة تحرمك من الاستمتاع بها. عندما كنت شابًا صغيرًا كنت أضحك ملء رئتي، بل كنت أحيانًا أقع فريسة لنوبات ضحك أعجز عن إيقافها. أما الآن.. يعلم الله.. أنا نفسي أضحك.
مشاركة :