رواية الجدة والأطفال الورقة الرابعة :- تناقل الناس أخبار الجدة والأطفال فلديهم مفاهيم جديدة في حياتهم يغلبها التعجب والاستغراب مرة، ومرة تجليها حقيقة أن العالم في حالة تغيير وأن هناك حضارة سوف تسقيهم من نبع علمها، لقد دخل التلفزيون القرية، وهو حديث الساعة وعلاماتها : هي مرحلة في تاريخ الحياة عاشوا قبلها بسطاء على حكايات وروايات الأجداد والجدات، حتى تواتر عند الناس الأخبار بأن هناك عالم من خيال الجن قد غزى فضاء الكون وداخله ناس تتحرك وتتحدث بالصوت والصورة وهناك شك يلامس الأنفس فقد كان مما يتناقله الأباء عن الأجداد أن اخر الزمن يتكلم الحديد وها هو وصل هذا الحديد إلى القرية إنه “الفزيون” هَكَذَا ينطقونه فطرة وليس لغة من أفواه البسطاء وقد تخللهم الشك بأن الذي بداخله قد يراك ، لا عجب في ذلك إنه حياء الجدات وغيرة الأجداد فقد كان الطفل يلف حول هذا الصندوق ولا يشك أن من بداخله ينظر إليه كلما غير مكانه يا لهذا العالم المليء بالجن المسالمين كان هذا في حينه فوق مستوى العقل البشري البسيط ، لقد وصلت الحضارة القريه وغزتها ودخلت إليها التكنولوجيا والتطور في صندوق صغير على غفلة من الوقت إنه التلفزيون الذي صال وجال في ميادين الأنس والإنشراح كان هو بسيطا بدوره، لم تلوثه غبار الحضاره ولم تفقده شجاعته واتزانه ظل صامدا عقوداً من الزمن يحترم الناس ويقدر خصوصياتهم وشعورهم فقد كانت يمثل الحياة بذاتها كان أبيضا وأسودا، ولكن كان الحياء في صناعته والحشمة في مسلسلاته وكانت من ضمن أحداثه ، المسلسلات التي هي حديث الناس وأنسهم منها (متعب الشقاوي ووضحى وإبن عجلان وإبن حران والغريب ) وغيرها هي الحياة أيها الأنيق في أزقة الذكريات حيث كان للهوى مزمار يشد نفوس الأجداد والآباء في زمانهم ولكنه بسيط يقوم على الفلكلور الشعبي، والآن تغير المزمار بسميرة التوفيق التي غيرت المفاهيم الفنية والغزلية عندما تشدو بأهلا بالضيف، ضيف الله، فكان الجد يهيم به الأنس في سرائره ويركض به العشق هياما بفطرته الصافية في دواخله وقد غمزت بطرف العين بنت التوفيق فثارت الابتسامة في محياه حتى لا يكاد يصدق هذا ! وأشعلت الغيرة في نفوس الجدات وكان الهمز واللمز أحاديثهم ، وقبل التلفزيون الراديو الذي يصدح في الفضاء خفيف الحمل والتنقل يكفي لتشغيله أربعة أحجار في ظهره تعيده صحيحا يطرب الأسماع بالقرآن ويشدو بالأخبار والمسلسلات السماعية والجد يتفنن برادي صغير قد أهداه الزمن ببضعة دراهم يضعه على بطنه ويوزن الموجة على صوت العرب أو هنا لندن يستمع لأخبار العالم التي حولته لمحلل سياسي عريق ! ومع هذا يأسف في كل مرة عندما يسمع وشوشه وتضيع الموجة في ممرات الفضاء .. انتعشت القريه بهذا التطور لقد انتقلت حياة الجدة والاطفال من مرحلة الحكاوي إلى درامات المسلسلات البدوية التي تلامس غريزة ونفسيات المجتمع حيث إنها مسلسلات تقوم على الحياة البسيطة وعلى إكرام الضيف والنخوة والجود والمساعدة حال الفقر والتعب والشقاء والفقد والغربة والترحال كم هي الحياة قاسية من أجل البقاء ولكنها جميلة بما تحمله من حب ونقاء ….وهنا أحداث أخرى في دهاليزها الفطرة الصافية النقية تجسدها سلوكياتهم العفوية خلافا لما يحدث الآن في فضاء القنوات والسوشال ميديا وغيرها التي أصبحت رثاء لعادات وتقاليد جردت الخصوصية والإنسانية من مبادئها وأسرارها ، إننا الليلة أمام مسلسل بدوي دارت أحداثه حول قصة تجلي معنى الأمومة والرجولة ، قد انشغل الناس بما سوف يكون في حلقة الليلة إنها دراما المسلسلات البدوية في عقولهم هي تجسيد العز والكرم والحمية والنخوة تلامس نفوسهم كبارا وتعلم الاطفال صغارا لقد صلت الجدة المغرب على مصلتها وتبادر إلى ذهنها بحنان الفطره هل يقتلون الرجل الغريب أو لا ؟ هل يلتقي بأمه التي جفت دموع عيناها وهي تقلب الغضى بين جفونها ؟ أو لا ، لقد اصبحت وحيدة بعد أن أيقض السؤال مرقدها والتعب أنينها ولكن أقدار المسلسل سوف تخبرهم بما سيكون لقد وصلت الجدة ووثقة فشوريها على راسها وقد بدأ الناس والجدة والأطفال يتوافدون لرؤية هذا المسلسل وهناك المخرج الذي هو مهندس الصوت وقاري البث ” صاحب التلفزيون قد قرب بطاريته وشبك الأصابع وحاول يوزن “إريلين” كأنها قرون الشياطين فوق تلفزيونه لقد تفنن وأبدع بعد أن وضعه على تخته متوسطه لكي يستمتع الحاضرين بهذا المسلسل وبدأ يتنقل بين القنوات وهي ( قناة واحدة) كأنه يريد أن يثبت للحاضرين مهارته التكنولوجية، وكان القحم يدور برأسه يمينا ويسارا ويردد بحرارة: كان فارق “عبله” ، وبدأ مشوار الفن البدوي والعجائز متأهبين يخالطهم الخوف والقلق والجد قد قرب “شبريه” قليلا فالنظر أصبح يلم ويشد رحاله والنَّاس في سكون عجيب وكلما حاول أحد الاطفال أن يعلق على الاحداث بداعي فضول البراءة وضعت الجدة سبابتها على نخشها وقالت “أصه” وإن عاد مرة اخرى قضمت خشمها وبحجرت بعيونها الوضع لا يحتمل فالمشاهد في ترقب ويقظة وبدا المشهد الحزين يقترب لقد التقى الأسير بأمه بعد عناء وغياب إنها الحقيقة التي هي صورتها في نفوسهم وبدأت العيون في وجيه المتفرجين تنهمر فطرتهم البسيطة التفت أحد الاطفال إلى جدته وهي تمسح دموعها بأطراف فشوريها والجد هناك يبلغ الغصة وراء الغصة إنها الدراما الحقيقية لقلوب هولاء الضعفاء المساكين الذين كانت سجاياهم صافية بيضاء نقية ضمت الجدة طفلها بحرارة اللقاء كان إحساس الأمومة أيقض الحنان في دواخلها كأن الفقد بعثر أوراق الرحيل في لحظتها ، بأنها ستفقده ذات يوم وهو سيفقدها كأن الحياة أنزوت في لحظه وشاخت الأحلام وبعدت المسافات عن هذا المسلسل تحول المشهد الى عزاء الزمن ومعارك الاقدار بأنه سيكون الفراق ذات يوم بين هذا الطفل وجدته أنهمرت دموعها بغزارة الموقف وما تحمله الأيام من فواجع وأحداث ولكنها البراءة في عينيه بدأ هو يمسح دموعه لقد كان شطر الليل يغطي هذه الاشياء فالناس شاخصة أبصارها في هذا المسلسل العجيب انتهى المسلسل “تلفلف” الناس وغادروا ويوما بعد يوم والجدة خطواتها متثاقلة وأحفاد ها يقرؤون ببراءتهم احتضان جدتهم بأن فيها رسائل حروفها تنسج الأكفان في دهاليز الغيب ،،،، أيها الأنيق إن خيوط الفراق بين الجدة وأطفالها بدت في نكث غزل أيامها ، هناك وداع ينتظر الأطفال.
مشاركة :