رواية الجدة والأطفال (الورقة الخامسة) “الوداع” ،،، بقلم : عبدالله عامري

  • 12/10/2020
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

رواية الجدة والأطفال :- (الورقة الخامسة) الوداع :- إنه الرحيل الممزوج بالمعاناة والأسى، لقد تثاقلت الأنفاس و بدأ المرض ينهش في خيوط العافية، والجدة تسعى مابين الأنين والصبر، فمرة تتكيء على الدعاء ومرة على الطب البسيط في صيدلية المساء المناوبة، تختة قد تزينت بدواء العلم والتجربة والفطرة والوراثة، عليها قارورة “فكس” تتأجج رائحته فتملأ المكان، يثور على كل حكة أو “صلمة” ، “وأبو فاس” جاهز لكل كلو أو مغص عجز الطب في دوائه ، وصرة من حبة السوداء نشوق العافية ومسكنة كل دوار ودوخة ، وقارورة سليط تندح ببريقهاً لرقبة طفل يكابد السخونة من حِلقة، أو ليد بها فسخ أو ظهر أصابته أبهار، وحبات من الليمون المتناثره لصدمة أو بحة أو مرارة في الحلق ، إنها الحياة أيها الأنيق الغارق في دكاكين البلاء إنها صيدليات بسيطة في مخيلة الضعفاء، هذه التختة لازمت الجدة سنينا من العمر و”شبهت” من كل ألم ألم بها ولكن ما تشعر به الآن هو نقيض العافية ينخر جسدها النحيل، وقد بدا شاحبا و علامات الاهتمام تدور بين أهلها وجيرانها ، وصفات تتطاير بين العجائز شريكات الحياة كل صباح تحت طل عشتها على “جبنة مردوم” لم يعد الوقت يتيح اللقاء ، هناك ذبول في عروق العافيه ، لقد بدا المرض يلم حقائب الوداع ولكنه الصبر الصامت الذي اعتاد الأبناء أن يروه في الكبار، يحتسبون الأجر عند الله، وقد ملأ اليقين قلوبهم بالله، ذات ليلة هدأت الدنيا، وصمت العالم وبدا الاطفال في الشخير ، وكأنهم ودعوا الحياه مع غروب الشمس ، عقولهم صافيه لا يلقون للحياة بالاً أيها الأنيق الغارق في وهج الحضارة ، اطمأنت الجدة على صغارها بعد أن صلت العشاء على مصلتها الخزف، وأحست بتعب الوداع، لقد شعرت “بناحتة” في ضلوعها، فبادرت تقبل أطفالها واحدا وراء الآخر وتودع كل ما حولها ريحانها وجرتها وخدروشها من حياتها البسيطة ودموعها تنهمر مثل المطر إنه إحساس الأمومة تلامس النفوس البسيطة، في لحظات الموت، لقد كانت قلوبهم صافية نقية، زاد عليها التعب فبادرت لأصغر أحفادها تضمه، لقد أحس الحفيد أنها ضمة الوداع ، وعرف هذا الطفل بأنها ليست بخير وعافية بدأ السؤال يركض في صدره قام إليها ياجدة مالك قالت أنا بخير “أرقد يمك” لا أنتي وجعة يا جدة بدأ يبكي لا شعوريا لأنه لاحول له ولا قوة. قامت وسقته وضمته وسالت دموعها بغزارة إنها الأقدار أيها الأنيق تأخذ منا من نحب على غفلة وترمي بِنَا في سنين الضياع لحظات تدونها الأيام في مذكرات الحياة قالت روح نبه أهلك “وخلهم يجون” انطلق الطفل وقد مزقه الألم أشلاء وتلعثم من هول الأقدار بدأت الجدة في التعب ولسانها رطب بذكر الله دخلوها عشتها يحاولون يخرجون حفيدها أمسك “بركبة قعادتها وبدأ في أنين البكاء إنها اللحظات التي يشيخ فيها الطفل ويشيب ، لقد ماتت الجدة وفارقت الحياة وعلا الصراخ وقام الاطفال وبدأ النحيب و حضر العجايز في العويل إنها شريكة الصباح والأيام الملاح ، لقد طوت الاقدار السعادة على حين غفلة حتى” مسقيدة” الجدة وكبريتها وفشوريها العبق بروائح الحياة وعصاتها ومركبها الذي تطبخ عليه جبنة القشر لا طال دخانه وثاعنه يتصاعد، لقد رحلت وكل شيء تم وداعه بصمت. يالله إنها الحياة نعيش فيها من أجل ان نتعظ ونتعلم، ونستعد فيه ليوم مثل هذا اليوم. وقف الحفيد ذات يوم بعد رحيل جدته بأعوام على “مسفى” صغير كان يلهو فوقه وخط في الارض خطوط الخيال ورسم عشتها ومركبها وخدروشها وريحانها ومسقيدتها وحنايتها وجرتها وبلبلتها وشبريها٠ رسم وأبدع في رسم الخيال في دفاتر الذكريات، طأطأ رأسه وقد بلل الثرى بماء الذكريات ومسح عيونه من غزارتها وودع المكان إنها الدنيا، لقد كبر الأطفال ولكن الحنين يأخذهم كل حين إلى هذا العالم و مازالت نفوسهم حية يقظة بتلك الطفوولة التي تكنزها الأيام، “وتنكزها” بعصاة الألم كلما حنت إليه …. مازال دمع الحفيد ينهمر كلما استيقظ الطفل الذي بداخله عندما كان يلهوا بقشاميش عيدانه في نار جدته ومسقيدتها . رحم الله كل جداتنا وأجدادنا ورحم الله أباءنا وأمهاتنا. ابتسم أيها الأنيق هَكَذَا نعيش في الحياة

مشاركة :