اعتادت المجتمعات على تنميط معايير الجمال الأنثوي، ووضع نموذج لأجساد النساء حتى يكن جميلات، لكن هذه الأنماط والمعايير تختلف من مجتمع لآخر، وربما من حقبة تاريخية لأخرى. مؤخرًا، عثر فريق من علماء الآثار، ينتمون لجامعة كولورادو بالولايات المتحدة الأمريكية، على أكثر من 200 تمثال أنثوي، يعود تاريخها للعصر الحجري الأعلى. ووفق ما نشره موقع «ساينس آلرت» العلمية الأمريكية، تُمثل المنحوتات المكتشفة أجساد أنثوية، تعود إلى العصر الحجري المتأخر، إذ يعود أقدمها إلى 38000 عام، بينما يرجع أحدثها إلى 14000 عام. ويُثار جدل أكاديمي حول ما تمثله تلك التماثيل الأنثوية، فتتميز ببطون دائرية الشكل، وأفخاذ وأرداف، ما يمثل اختلافًا في معايير الجمال عن تلك التي يشهدها عصرنا الحالي، وأيضًا عن تلك التي عكستها منحوتات «فينوس» إله الجمال الشهيرة. في حين، فسر العديد من الباحثين الخصائص الجسدية المثيرة للتماثيل، كونها رمزًا للخصوبة والجنس والجمال والأمومة، بينما يرى آخرون أن الجسد الأنثوي، ذو البطن الدائرية، والفخذين العريضين، تجسد تصويرًا واقعيًا لما بدت عليه ظاهرة السمنة، التي عانت منها البشرية في ذاك العصر، على الرغم من عدم وضوح أسبابها في تلك الحقبة البعيدة. من جهته، يرى الباحث الطبي بجامعة كولورادو، ريتشارد جونسون، أن تلك التماثيل، التي تمثل أحد أقدم الفنون في العالم، تجسد محاكاة واقعية لنساء زائدات في الوزن، يعدن للعصر الجليدي في أوروبا. وفي دراسة جديدة، قدمها «جونسون» برفقة فريق من باحثي جامعة كولورادو، توصل عدد من الباحثين إلى أن التماثيل الغامضة تُجسد تفسيرًا واقعيًا لمعايير الجمال الأنثوية في عيون نحاتي أوروبا في العصر الجليدي، مفسرين ذلك بأن ثمة روابط جينية تربط بين ظاهرة السمنة التي تعانيها الشعوب الأوروبية في القرن الـ 21 وتلك التماثيل، عبر قياس نسب أجساد التماثيل من الخصر إلى الفخذ، ومن الخصر إلى الكتف، ثم مقارنتها بالقياسات الحالية لعدد ممن يعانون أمراض السمنة في المنطقة الأوروبية، وأن الأوروبيين توصلوا كانوا يواجهون البرد القارص بالإفراط في التغذية، وأنهم توصلوا إلى أشكال أجسادهم الممشوقة والرشيقة مع مرور الوقت. وافترض فريق باحثي جامعة كولورادو أن مجموعات البشر، التي تواجه انخفاضَا مطردًا في درجات الحرارة، وتقدمًا في الأنهار الجليدية خلال العصر الجليدي، كانوا أكثر سمنة، في حين انخفضت معدلات السمنة لاحقًا عندما ارتفعت درجة حرارة المناخ وانحسرت الأنهار الجليدية. وأضاف الباحث الطبي، ريتشارد جونسون، أن التماثيل الأنثوية، ذات البطن الدائرية، والفخذين الممتلئين، تُمثل واقع أيقوني لمعايير الجمال الأنثوي في العصر الجليدي المتأخر، إذ نقل النحاتين الشكل المثالي للنساء اللائي يعشن بالقرب من الأنهار الجليدية. وأكد «جونسون» أن تلك المنحوتات تمثل الشكل المرغوب فيه للمرأة، بحيث تكون أكثر قوة وقدرة على تحمل البرد القارص، وتصبح قادرة على العمل وإنجاب أطفال بصحة جيدة وإرضاعهم، وفق الصورة النمطية التي كانت سائدة لمعايير الجمال للنساء آنذاك.
مشاركة :