منطقة الساعدي في رأس الخيمة، منطقة رملية صحراوية وبقدر تمتعها بحداثة المنازل فيها، إلا أنها ما زلت تحتفظ بعادات البدو الأصيلة، التي يقدرها الصغير قبل الكبير، وما زال الأهالي فيها يغرسون في أبنائهم حب القيم والإرث الإماراتي الأصيل في الزي وفي العادات كما في تضمير الهجن وتربية الجمال. وسواء كان مسمى المنطقة يدل على نوع من أنواع الشوك، أو نسبة إلى رجل يدعى سعيد،ستظل المنطقة سعيدة بما تحويه من أسر متعاونة وعلاقات اجتماعية وطيدة، تؤطرها القيم والعادات البدوية العتيقة. يقول سلطان بن علي سيف الخاطري، شيخ قبيلة الخواطر، مواليد عام 1938، والذي ورث مشيخة القبيلة من والده رحمه الله، إن منطقة الساعدي رملية قديمة، سكنها الأجداد في قديم الزمان، ويقال إنها أطلق عليها هذا الاسم نظراً لوجود السعدان، أحد أنواع الشوك، أما البعض فينسب إطلاق الاسم عليها، لرجل سكن المنطقة قديماً يدعى سعيد. وأوضح الخاطري أن عدد المناطق التي تتبعها كثيرة، أما حدودها بالترتيب تبعاً للمناطق التي تحتويها، والتي تبدأ حدودها ببند الزبا القريب من منطقة خت، ودرب القاسميات ومن الشمال بطين سلام وبطين حريملة، والرحيل وهزع الوعر وأم عرج، وعرقوب بن عويص، وغدير بو الجاسات، وغدير الحويمي، وبو الغربان، والحيرة، وعرقوب الخيمة، والمصلبة، وعرقوب الشناتير، وخريجة التي يوجد بها طوي مشهورة ولقرحات المشهورة بالغاف، وطوي سهيلة، والمريال وسويدات وشاغية والجلبة، ومسيطح، وغافة مينوه، وركبة مطلاع، إلى أن نصل إلى بانة ثم بعد ذلك إلى ند الزبا. خليفة علي خليفة الكتبي، من أهالي الساعدي، يقول: في الستينات من القرن الماضي، كان المطر لا يتوقف ولا يفارقنا، والأرض تكتسي بالبساط الأخضر من الحشائش التي تقتات عليها المواشي، وفي موسم القيض ننتقل إلى الذيد، وبآخر عهد الانتقال كنا ننتقل إلى منطقة أذن، بينما كنا نرتحل إلى دبي لنصل السوق في 3 أيام، وكذلك نذهب على الجمال إلى عجمان وأم القيوين إضافة إلى سوق رأس الخيمة، لنبيع الحطب والسخام (الفحم) ونستريح تحت الغاف. ويضيف الكتبي: كانت منطقة الساعدي معروفة بآبارها، اشتهرت طوي الجلايلة وهي ذات المياه الحلوة على طريق الشاحنات حالياً، وكذلك طوي الجاهلي التي جفت مياهها مؤخراً. وإذا ما تذكرت الأعراس فكانت تكلفة عرسي 900 درهم في عام 1967، جمعت المبلغ من الأهالي والجيران، كانت الحياة يوثقها التعاون والتعاضد بين الأسر، وبعد أن جمعت المبلغ ذهبت للسوق واشتريت مؤونة العرس من قهوة وتمر وأرز وغيرها وكنا نطبخ بأنفسنا من خلال رجال مواطنين مختصين بالطبخ في الأعراس، كما أن الفرق الشعبية التي تؤدي الرزيف، طواعية من دون مقابل، تشاركنا الفرحة، وكان الجميع تطغى عليهم مشاعر الفرح ويتنافسون من أجل اكتمال الفرحة في العرس بتقديم كل الخدمات سواء كانت في الضيافة بتقديم القهوة، أو استقبال الضيوف، أو المشاركة في الرزيف وغيرها من الخدمات التي تقدم بكل سعادة. الفتى علي أحمد الخاطري، 14 عاماً، يقول: تعلمت من مجالسة الرجال في المجالس الكثير من القيم والعادات الحسنة، إذ يحرص جدي ووالدي أن أتعلم من مجالسة كبار السن، وأن أرحب بالضيوف، وأسألهم عن أخبارهم ونقدم لهم القهوة، ودائماً ما تحرص العائلة على غرسه فينا متمثل باحترام الكبار وتقديرهم. أحمد عبيد الخاطري، 38 عاماً، من منطقة الساعدي، يؤكد أن المنطقة والأسر القاطنة فيها ما زالت متمسكة بعاداتها وتقاليدها، فغالباً ما يجتمع أهالي المنطقة عند شيخ القبيلة، في المجلس الذي يسمى البرزة وجميع أفراد القبيلة صغيرها وكبيرها تجتمع هناك، كما نحرص على حضور الأبناء لتعلم التقاليد والسنع، فيما يخص احترام الكبير وعدم مقاطعته وكيفية استقبال الضيوف وضيافتهم وكيفية صب القهوة، كما نحرص على أن يتمسك الجميع بالزي التقليدي، وكيفية لف العصامة أو الحمدانية، خاصة في حضور المجالس، كما نحرص على تعليم أبنائنا الصلاة والعبادات، ونتابعهم لأدائها والمحافظة عليها. ويضيف الخاطري، أكثر الرياضات القديمة ركوب الهجن، وما زلنا للآن نحافظ عليها والأغلبية يمتلك منها الكثير، وتصل قيمة الهجن الواحد مليونين إلى 3 ملايين، إذ تتميز سلالاتنا بأصالتها، وسرعتها، ونهتم بتغذيتها كثيراً، وكان الأهالي في الماضي يقدمون لها الجت والتمر والشعير أما الآن فجاءت خلطات الأعلاف، إضافة للأغذية التقليدية وكذلك الشوفان، ونعلم أبناءنا كيفية تضمير الهجن، أي تدريبها على السباق، ونعطي لكل ابن هجن واحد اسمه، إذ نطلق على كل هجن اسماً معيناً، ويظل يعتني بها إلى أن تكبر ويكون مسؤولاً بعدها عنها في عزبته. قسوة الحياة في الماضي أكد سلطان بن علي سيف الخاطري، شيخ قبيلة الخواطر، أن أهالي منطقة الساعدي كانوا يقطنون المنطقة صيفاً، أما في القيظ، وهو موسم النخيل، فيرتحلون إلى أذن القريبة منهم أو إلى الذيد، وقبيلة الخواطر كانت تقطن الساعدي وكذلك الحمرانية. أما المهن السابقة التي كان الأهالي يمتهنوها، فكانت بيع الحطب والفحم، وشرح الخاطري كيف كانت الحياة صعبة، قبل ظهور النفط، لقلة مصادر الدخل، ولم توجد حتى ملابس، إذ كان الأجداد السابقين على حكم الشيخ سلطان بن سالم القاسمي، الذي حكم في الفترة ما بين 1917 إلى 1948 توزع عليهم قطع قماش تسمى الكورة، ولا نحصل عليها إلا بورقة من الحكومة، وتخيطها النساء، وفي مدة اضطر الأهالي لارتداء الخيش وهي أوعية الأرز ذات النسيج القاسي، في سنة "اليوعة" وهي الفترة القاسية التي اجتاحت العالم أجمع في الحرب العالمية الثانية، وأطلق عليها ذلك الاسم نسبة إلى انتشار الجوع وقلة الإمدادات الغذائية. وأكد الخاطري: عاش أجدادنا حين كان الاعتماد على جمع الحطب وبيعه، كانوا يقطعون نصف شجرة سمر، ويبيعونه بريالين، ويشترون بهما الأرز ومشكاك السمك بقروني، وهي العملة المتداولة قديماً، وتقدر قيمتها بنصف ربع درهم حالياً، وكانت كوارة السح، مقدار معين من التمر، تباع بريال واحد إذا كان من نوع ميناو، أما البصري الذي يأتي من العراق فقيمته 3 ريالات، كونه أكثر جودة وألذ طعماً. ويضيف: بعدها بدأت الحياة تتطور تدريجياً، إلى أن استخدم القلة من الأهالي المركبات اللاندروفر من وكالة الزياني، وكان سعرها نحو 12ألف درهم تقريباً، تدفع بالبداية 3 أو 4 آلاف وبعدها يقسط المبلغ، وكان الشيخ سلطان بن سالم القاسمي يملك مركبة من نوع "دوج" ولم تكن الطرق معبدة، والمركبات تشق طرقها، سواء بالرمال أو الحصى. ويستطرد الخاطري: أتذكر أول من اشترى مركبة في منطقتنا كان سعيد عبدالله المفتاح، واثنان من المزاريع في أذن أحدهما مطر المزروعي، والثاني سالم بن عبيد المزروعي في بداية الستينات من القرن الماضي. ويكمل: كنا نعيش في بيوت الشعر في الشتاء، أما في الصيف فكانت العرش، مفرد عريش، توفر لنا مكاناً آمناً، ومريحاً نسبياً، نظراً لإدخال سعف النخيل الذي تتكون منه أجزاء العريش، الهواء الخارجي، ولم تكن الأمراض منتشرة، كما نسمع حالياً، بعد أن قدمت لنا التكنولوجيا المكيفات الباردة، ومازلت إلى الآن أحاول قدر الإمكان تفادي الجلوس أو النوم تحت المكيف مباشرة. كما أن الأدوية الشعبية كانت متوفرة وتفي بالغرض، وأكثر الوصفات التي مازلت أتذكرها وتنفع لمرضى السكتات القلبية، خليط الزنجبيل والقسط والمسمار، يدق مع بعضه بعضاً ويوضع على الرأس، كما يفرك به الجسم، وصفته مؤخراً لأحد الشواب، فنهض من وعكته.
مشاركة :