فئران أمي حصة.. واقع يتسول الحب!

  • 8/22/2015
  • 00:00
  • 31
  • 0
  • 0
news-picture

كان مسائي هادئاً، اللهم إلا من نسمات رقيقة تنسل من بين ضجيج الحياة، لم يكن الهواء زاعقاً ولا هامساً بل بين ذاك وذاك. ممتلئة كنت بملائكية صوت فيروز حتى أكاد أسمعها أؤمن أن القلب المُلقى في الأحزان، يلقى الحنان.. أؤمن أن في صمْت الكون المقفل، منْ يصغ لي.. تنهدت وأنا أتأمل غلاف رفيقة هوايتي (فئران أمي حصة) للكاتب سعود السنعوسي، يومان وأكثر سرقتني هذه الرواية وأخذتني صفحاتها الـ 436 لنزاعاتها ومونولوجاتها الداخلية، انسل في المسافة بين خيالي وواقعي كونكريت بيت حصة المعتق بالحب.. ظل السعف الوارف تحت النخلات الثلاث.. دانتيل فستان فوزية الزهري.. عود فهد وأشرطة عبدالكريم عبدالقادر.. سرد السنعوسي كان خفيفا على الروح، أصالة مدججة بتأريخ دقيق للأحداث، للمواقف بقسوتها وندوبها وأفراحها.. التأريخ عملية ليست يسيرة ولكن السنعوسي طوعها برشاقة نابضة للحد الذي يجعل القارئ يعيش هذه المسافات الزمنية، يغتاظ من قيظها ويرمم عواطفها اليابسة معه، يستلذ بالتشويق في سطورها، ويتناولها منهمكا وصامتا وحزينا.. ولا يستعيد قوته إلا مع نهاية الكتاب فيتجدد إيمانه بأن أية فكرة تخرج من حدود الإنسانية ماهي إلا هرطقات غبية وأوهام باطلة، فإذا كان لابد من ان يحارب الإنسان أخيه الإنسان عليه أن لا يتفنن في لعق دمائه وينحاز للدفاع لا للهجوم، للإنصاف لا للانتقام. وحدها الإنسانية بلون واحد حين يتمرى بينها مستقيم أو معوج، أو حين يستند تحت ظلها الوارف غفير، ثري أو فقير.. وحدها الإنسانية المعذبة بين جبروت قويها وأنين ضعيفها، بين صراخ كبيرها وبكاء صغيرها، بين ثورة المعدم واستكانة المحكوم.. وحدها الإنسانية هي الدمعة الرقراقة من عين الرحمة على منظر بؤس أو مشهد شقاء، وحدها من ترفض أن تكون الفضيلة كدائس تحشر في الأذهان بدلاً من ملكات تصدر عنها اهتزازاً للحياة. وحدها الإنسانية الأقرب إلى نفس الإنسان وأكثر التصاقا بروحه، لأنه يبكي آلاماً من لا يعرفه -وإنْ كان شخصية خيالية في رواية أدبية أو بطل حادثة تاريخية أو أسطورة-، وحدها الإنسانية هي التي تقر بأن الحب الناجم عن الإحساس بالآخر هو التعويض العادل عن كل بشاعات العالم، وبأنها المنفردة بالعدالة حين تنفصم العروات وتدب العداوات وينخر الحقد الأرواح. الإنسانية هي أول من يشمئز من الكيانات ذات التكوين السلطوي، وهي أولى من تُعنى بتحرير الأجساد والألباب المصابة بالشيزوفرينيا والرعونة والكوابيس الفوضوية والاحتقان الفكري والانحرافات والموروثات الجاهلية. همس لي السنعوسي بنبرة مؤلمة، على لسان إحدى شخصيات الرواية (يموت أحدنا ليعيش الآخر) فجاءت نهاية الرواية تدحض هذا الهمس وتجزم بأن الكراهية موت ينال الجميع ولا يبقي أحداً.

مشاركة :