عندما ظهر رجب طيب أردوغان في خريف عام 2011 في ثلاث دول عربية، هي تونس وليبيا ومصر، عقب ثورات الربيع، بمظهر السلطان العثماني القادم لإعادة إحياء الإمبراطورية العثمانية البائدة، لم يكن يدر بخلده أنه يقود تركيا نحو الصعود إلى الهاوية، إذ سرعان ما تبددت هذه الأوهام بعد سقوط جماعة الإخوان في مصر، ثم المنطقة عموماً، وبعد تراجع الدور الإقليمي لأنقرة جراء السياسات المتناقضة في موضوع الحرب على الإرهاب، وصولاً إلى الارتدادات الداخلية الناجمة عن الأزمة السورية، والموقف التركي المعروف في معركة عين العرب(كوباني)، ما أدى في النهاية إلى وضع تركيا وجهاً لوجه أمام عودة العنف الكردي واستدراج العنف الداعشي إلى أراضيها. كلمة انقلاب قد تصلح كمفتاح لتفسير كل هذه المتغيرات التي جرت تركيا خطوات إلى الوراء، وأدخلتها إلى مرحلة من عدم الاستقرار ربما تمتد لسنوات جراء السياسات الخاطئة للقيادة التركية. فالانقلاب على داعش الذي ظل حليفاً لأنقرة منذ بدايات الصراع السوري، بعد أن كانت تزوده بالمال والسلاح، وجعلت من أراضيها قاعدة لتجمع وعبور آلاف المقاتلين الأجانب للالتحاق به، أصبح اليوم يشكل تهديداً مباشراً لها، بعدما أعلنت الحرب عليه، وفتحت قواعدها العسكرية لواشنطن والتحالف الدولي لمحاربته. وهكذا بدلاً من تلويح أردوغان بالفتح العثماني الجديد في أرض العرب، راح داعش يهدد بإعادة فتح القسطنطينية (اسطنبول) ويضع أردوغان نفسه في مرمى استهدافاته. وعلى الجانب الآخر، أدى الانقلاب على المصالحة الداخلية وتحديداً مع حزب العمال الكردستاني، بعد خسارة العدالة والتنمية الغالبية المطلقة في الانتخابات التشريعية الأخيرة، وصعود الأكراد بقيادة حزب الشعوب الديمقراطي، ودخولهم البرلمان بعد كسر حاجز ال 10%، إلى تبدد أحلام أردوغان في تعديل الدستور وتحويل النظام إلى رئاسي لإحكام قبضته على السلطة، واتهام الأكراد بأنهم السبب في ذلك. فبعد أن ذهبت ملايين الأصوات الكردية على مدار ثلاث دورات انتخابية لتوفر الغالبية المطلقة لحزب العدالة والتنمية، تحولت هذه الأصوات لتصب في صالح الأكراد أنفسهم. وهكذا بعد أن انتهج أردوغان وحزبه سياسة المصالحة لتوسيع قاعدته الشعبية، إذا به يقف أمام انسداد آفاق حل القضية الكردية، ويحاول إخراج الأكراد من المعادلة السياسية، وإبقاءهم في دائرة الملف الأمني، بالتزامن مع عودة قمع الدولة من ملاحقات واستهداف مباشر، كما كان عليه الحال في ثمانينات القرن الماضي حيث لجأت الحكومات المتلاحقة إلى حل القضية الكردية بالوسائل العسكرية، وهو ما أدى إلى إثارة العنف الكردي من جديد، وعلى نحو أكثر شراسة وخطورة بعدما تسلح الأكراد بالخبرة والإعداد الجيد، واجتذبوا أصدقاء لهم في الغرب على حساب أنقرة، وأصبحوا قوة يعتمد عليها التحالف الدولي بشكل أساسي في محاربة داعش. يعتقد أردوغان أن الانتخابات المبكرة ستؤمن له اجتذاب أصوات القوى اليمينية والقومية المعادية للأكراد ما يوفر له الغالبية المطلقة التي خسرها، من دون أن يدرك استحالة حدوث ذلك، وأن خسائره ستتوالى، بعدما أدخل تركيا في عش الدبابير باستدراج داعش والعنف الكردي، وأنه في النهاية يدفع ثمن مطامعه الشخصية وعبثه في الساحة السورية في آن. younis898@yahoo.com
مشاركة :