السياسة الخارجية التركية بين الفشل وافتعال الأزمات

  • 12/12/2020
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

قبل نحو عام أصدر الباحث سونر جاغابتاي مدير الابحاث التركية في معهد واشنطن كتابًا يرصد فشل السياسة التركية في الشرق الأوسط بعنوان «امبراطورية اردوغان: تركيا وسياسات الشرق الأوسط». ووفقًا لما جاء في تعليق الباحث فإنه يرى عند مقارنة المقاربة التي يعتمدها الرئيس طيب اردوغان إزاء الشؤون العالمية والاقليمية بالسياسات الخارجية التي انتهجها أسلافه العثمانيون والاتراك يبدو أنها تمثل الاستمرارية والتغيير في آن، فمحاكاة الغرب تحت حكم السلاطين العثمانيين التي بدأت مطلع القرن التاسع عشر كانت مشروعًا استراتيجيًا مدفوعًا بإدراك نقاط ضعف الدولة، ومن أجل إحياء عظمة الامبراطورية قرر السلاطين نسخ مؤسسات حكم الدولة عن قوى عالمية أوروبية، وانتهج مصطفى كمال اتاتورك الذي أسس تركيا الحديثة عام 1923م هذا النموذج، واستمر هذا التوجه بعد الحرب العالمية الثانية حين التفّت نحو أوروبا والولايات المتحدة، وبينما هم ينتظرون استعادة مكانتهم كقوة عظمى، غالبًا ما تحالف السلاطين الراحلون ورؤساء تركيا الأوائل مع قوى غربية - مع بريطانيا تحديدًا خلال معظم القرن التاسع عشر ضد روسيا، ومع فرنسا خلال الجزء الأكبر من الفترة التي كانت بين الحربين العالميتين ضد ايطاليا الفاشية، ومع الولايات المتحدة بعد الحرب الثانية ضد الاتحاد السوفيتي غير أن كما جاء في تحليل الباحث اختار اردوغان أنموذجًا غير تقليدي بشكل أكبر، فهدفه جعل تركيا قوة عظيمة بمفردها وليس دولة تعتمد ببساطة على الغرب، وعليه لم تكن سياسته الخارجية موحدة، وعندما استلم الحكم في 2003، شعر أنه في موقف حرج بسبب المؤسسات العلمانية التركية، بما فيها الجيش وسعى بالتالي إلى أن يكون نسخة أفضل عن أسلافه، فروَّج لسياسات دولية موالية لأمريكا وللاتحاد الأوروبي بشكل أكبر. انتهت هذه المرحلة بحلول العام 2011، بعد ما جرد الجيش من نقاط قوته ومرر سلسلة قوانين ديكتاتورية ووضع بموجبها القضاء تحت سيطرته وبدأ بتقويض خصومه - بمساعدة حركة غولن - التي كانت حليفته في ذاك الوقت، وأطلق مجموعة جديدة من المبادرات العالمية والشرق أوسطية التي هدفت إلى استعادة القوة التي عرفت بها تركيا في الحقبة العثمانية، وقد أسهمت انتفاضات «الربيع العربي» التي اجتاحت المنطقة في تمهيد الطريق أمامه. غير أن سياسته باءت بالفشل، أولاً لأن أنقرة تجاهلت دور «الأعداء التاريخيين» في الشرق الاوسط - فأردوغان لم يدرك أن نظرة العديد من العرب واليونايين لا تزال سلبية نسبيًا تجاه تركيا باعتبارها الحاكم المطلق الذي استعمر بلادهم في الماضي، كما اختتمت أنقرة أفعالها هذه بدعم طرف واحد خلال الربيع العربي: جماعة «الاخوان المسلمين» وعندما خسرت الجماعة نفوذها في مصر ودول أخرى، كذلك خسر اردوغان التأثير نفسه، فدعم تركيا للمعارضة السورية أعطى نتائج عكسية وجعلها على خلاف مع روسيا وإيران. وقد حاول اردوغان تعويض بعض هذه الخسائر خلال السنوات القليلة الماضية، حيث أرغم رئيس الوزراء أحمد داوود اوغلو على الاستقالة في 2016، ورمم العلاقات مع العراق وإسرائيل - وكانت العلاقات التركية الاسرائيلية التي تأسست في وقت مبكر في عام 1949، وقد سارت بشكل طبيعي، بل وتطورت بشكل لافت في السنوات الاولى لوصول حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم في تركيا عام 2002، وشهد عام 2005 زيارة قام بها رئيس الوزراء التركية رجب طيب اردوغان إلى اسرائيل التقى خلالها الزعيم اليهودي الشهير ثيودور هرتزل - لكن تركيا لا تزال في عزلة عن معظم دول الشرق الاوسط، كما أن علاقاتها مع واشنطن شهدت تقلبات ولا يمكنها التعويل على أصدقائها التقليديين في الغرب بعد الآن. ومن أجل التخفيف من حدة هذه المخاطر، أبرم اردوغان اتفاقات خاصة مع روسيا تراوحت بين السياسة إزاء سوريا وشراء منظمومة الدفاع الجوي «اس-400». وكان الرئيس فلاديمير بوتين متجاوبًا بشكل خاص مع هذا الانفتاح منذ فشل الانقلاب في تركيا عام 2016، لكن هذا التودد الراهن من قبل روسيا يخدم الهدف الذي جسدته عداوتها في الماضي: إزعاج أنقرة لكن اردوغان بني علاقات في اوراسيا وافريقيا، لذا فإن تعافي اقتصاد تركيا، قد يتمكن من المضي قدمًا في المقاربة التي اعتمدها مؤخرًا مع الاستفادة من العداوة بين موسكو وواشنطن. تفسر المحللة السياسية المختصة بالشؤون التركية هدى رزق في حوارها مع «سبوتنيك» الانتكاسة في العلاقات بتغيير السياسة التركية تحت قيادة اردوغان بأن تركيا تختلف عما كانت عليه من قبل والتي كانت تلتزم بما تريده الولايات المتحدة والغرب، وبعد فشل مشروع الولايات المتحدة بتسليم الاسلاميين (اخوان المسلمين) للسلطة في مصر، حاول اردوغان أن يكمل هذا المشروع على أمل أن يعيد سيطرة تركيا على العالم العربي بواسطة الاسلام السياسي، ومن هنا بدأ فقدان الثقة بين تركيا ارودغان والغرب، تتجلى مظاهر الخلاف بين تركيا وحلفائها في الناتو في مختلف الملفات، فهي تحارب الأكراد في شمال سوريا بينما تؤمن لهم الولايات المتحدة الدعم الكامل، بينما تسعى تركيا إلى فرض رؤيتها حول استغلال الغاز في شرق المتوسط في مواجهة أوروبا بكاملها تقريبًا خلف اليونان، بالاضافة إلى نقاط أخرى من ليبيا إلى مالي وغيرها والتي تقف فيها كل من تركيا وفرنسا وجهًا لوجه وكذلك لعب على اوتار الخلاف الاذربيجاني الارميني. وبعبارة أخرى، لقد طرأت ملفات عديدة على العلاقات مع أوروبا وخصوصًا فيما يتعلق بمنطقة شرق المتوسط وشمال افريقيا وغيرها من المناطق التي لفرنسا تحديدًا نفوذ كبير فيها، فترى فرنسا اردوغان منافسًا يحرض عليها ويحاول أن يحل مكانها، كما فعل في ليبيا مثلاً عندما دعم حكومة الوفاق ضد خليفة حفتر. حذر الكاتب ياوز بيدر، في مقال له بصحيفة «أحوال» التركية من أدوات الرئيس طيب اردوغان لإثارة الازمات وافتعال الحروب، قائلاً: «إن هذه الاستراتيجية أدت إلى (شلل) السياسة الخارجية لأنقرة وانقلاب العديد من حلفائها ضده». وبحسب بيدر، فإن سياسة اردوغان الخارجية تكشف عن عقليته المتقلبة باستمرار لأنه يعتقد اعتقادًا راسخًا إنه قادر على اثارة المشاكل وافتعال أزمة بعد أخرى، حول الجوار التركي حتى مع احتفاظه بالسيطرة على خصومه المحليين بخطاب الكراهية والترهيب والإجراءات  القمعية والاستقطاب!

مشاركة :