تتصادم قوى الخير والشر في كل أجزاء الحياة بما فيها داخل الفرد نفسه الذي يعيش صراعات لا تحصى، نتيجة هذا التضاد المتأجج الذي يعتبر طبيعياً لإحداث مثل هذا التباين أو لنقل الميزان بين الرغبة والامتناع وبين النور والظلمة وبين الكذب والصدق والحقيقة والضلال. فطبيعة النفس البشرية مزدوجة لأنها خلقت من مادة كثيفة وروح شفافة وباستعدادات متساوية لقبول الخير والشر الا أن الصراع بينهما سيبقى دائماً، وهو كالقتال العنيف بين جيشين مع كل منهما سلاحه فأيهما غلب الآخر قهره وكان الحكم له. عندما خلق الله الإنسان جعل فيه قابلية الخير والشر معاً وأعطاه العقل السليم، كي يميز به بين ما ينفعه وما يضره، ويستدل به على الأمور الحسنة وعلى الأمور القبيحة بالجملة لا على التفصيل وقال الله تعالى «ونفس وما سواها، فألهمها فجورها وتقواها، قد أفلح من زكاها، وقد خاب من دساها» (سورة الشمس، آية 7-10). إن النفس تأمر بما تهوى إلا أن يرحم الله تعالى من شاء من خلقه من اتباع هواها وطاعتها بينما هي تأمره بالسوء كما «... إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي» (سورة يوسف 53)، فالفضائل تتصل بالجانب العقلي والروحي بينما الرذائل تتصل بالجانب الحسي للشخص، ولذلك فإن الإنسان بطبيعته يتجه نحو الرذائل بحسب مشاعره وأحاسيسه التي تطفو على السطح واستجابة لدعوة النفس التي تأمره بالخطأ فيلبي الا إذا كان ذا عقل راجح فلا يميل الا وفق عقلانيته، لذا لا بد للفرد من أن يتكلف الفضائل وأن يدفع نفسه إليها، قال الرسول (صلى الله عليه وسلم): (تكلفوا فعل الخير، وجاهدوا نفوسكم عليه، فإن الشر مطبوع عليه الإنسان) والشر كامن في النفس من خلال طبيعة وجود الغرائز التي قد يحولها المناخ المنحرف إلى الشر. هناك خير وشر كامنان في داخل النفس البشرية، وعلى المرء تحريك نفسه نحو الخير وعندما ينشأ في نفسه الصراع بين هاتين المعادلتين يحاول أن يضغط على عناصر الشر فيها، وأن يحبط بروحيته وعقلانيته تلك الغرائز ويحول كل طاقته باتجاه الخير، لا في اتجاه الشر (فإن الشر مطبوع عليه الإنسان) أي طبيعة متحركة في أصل تكوينه بنظامه الغريزي الذي ينفتح على الخير كما ينفتح على الشر، إذ هناك صراع في تكوين الإنسان بين العقل والغريزة والانتصار على النفس من الانتصارات في معركة الحياة. وقال علي بن أبي طالب (عليه السلام): (الشر كامن في طبيعة كل أحد، فإن غلبه صاحبه بطن، وإن لم يغلبه ظهر) يعني إنه إذا ترك الإنسان غريزته تتحرك في اتجاه الشرّ فلا بدّ من أن يتحول الشر إلى حالة فعلية بعدما كان حالة باطنية وكامنة في الأعماق، فطبيعة النفس البشرية تحمل في طياتها استعداداً فطرياً لتقبل الأمرين الخير والشر، وهي قابلة للتوجيه والتنمية نحو أي منهما، فهما ليسا متأصلين في هذه الطبيعة بل إنها قابلة لهذا أو ذاك بالتوجيه والتربية والبيئة التي يعيش فيها الفرد الذي يجنح به نحو الخير أو الشر وهذا هو دور الأخلاق والاستعداد الفطري. تختلف نسبة الشر من فرد إلى آخر والميل أو النزعة لها ما يؤججها باختلاف التربية والثقافة والبيئة والظروف المحيطة بها، تلك التربية التي ترفع مستوى الإنسان مبتعدة به عن الشر ومقربة من الخير، فالتربية السليمة تساعد على تنشئة أفراد أخيار يمتنعون عن فعل أي عمل شرير. هذا التصادم بين الخير والشر ما زال في كل أجزاء الكون، وأصبحت فئة قليلة في هذا الوقت من تقف في صف الخير بينما الأغلبية تقف في صف الشر، وبات العالم عرضة لسيطرة الشر والخضوع لقهر غير مسبوق، وما هو أخطر من عالم اليوم أن الأشرار باتوا يمتلكون أخطر الأسلحة وأشدها فتكاً لا بين الأفراد فحسب بل بين الأمم والشعوب حيث نرى فصولها واضحة على أرض الواقع، ويمكن القول إن البشرية في كل مرحلة كانت تفرز بعضاً من أبنائها هم غالبا من المفكرين في الفكر الإنساني والمثقفين يدعون إلى كبح جماح الشر في النفس ويسعون إلى تنمية بذور الخير وتقويتها في الفرد والمجتمع وبهذا يصبحون ضمير العالم. * كاتبة كويتية Suhaila.g.h@hotmai.com @suhaila.g.h
مشاركة :