«صناعة الفخار».. ثلاث أخوات تحيين حرفة الأجداد

  • 12/29/2020
  • 02:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

طين وخشب ونبات وضوء شمس، تلك كانت مكوّنات المكان الذي احتضن الهواية التي أصبحت مهنة لثلاث أخوات، أحيين بها تراث الأجداد، ففي منزل العائلة الذي يقع في أحد أحياء مدينة الدمام، أنشأت الأخوات الثلاث شيخة وشهد وشذى العبدالكريم، ورشة لصناعة الفخار، بدأت صغيرة ثم توسعت وأصبحت مدرسة تتعلم فيها المتدربات فنون هذه الحرفة التاريخية.بداية الهوايةبدأت قصة الفتيات الثلاث عام 2016، عندما أرادت الأخت الصغرى شذى تعلم صناعة الفخار، الذي يُعتبر من أقدم الفنون؛ لأنه كان حاجة بشرية قبل أن يكون فنًا، عندها قررت الأختان الأخريان تعلم هذه الصناعة أيضًا، وكخطوة أولى بدأن بالبحث من خلال محرك البحث «جوجل» عن مفردة «فخار»، والاطلاع على هذا العالم القديم المتجدد، فكان صانع الفخار الدنماركي «إريك لاندن» هو الشخص الذي أبهرهن، وجذب انتباههن بإبداعه وتصاميمه، فكان الخيار أن يتعلمن على يديه هذه الحرفة، وكان الموقع الإلكتروني الخاص بـ «لاندن» هو بداية انطلاقهن لهذا العالم.رحلة التعلمكانت كوبنهاجن وجهة الأخوات للتعلم على يد «لاندن»، في رحلة استمرت 6 أيام، تدرّبن خلالها لمدة 7 ساعات يوميًا على أساسيات هذه الحرفة وتعليماتها، وأثناء التدريب ومن شدة شغفهن، قررن أن صناعة الفخار ستكون مهنتهن وليست هواية فقط، فحرصن على كتابة كل التفاصيل التي سيرتكزن عليها في عملهن، على أن تكون مرجعًا لهن.العودة للوطنكانت العودة للوطن بمثابة صفحة عنوانها «تحدٍّ جديد»، فالتدريب لمدة أسبوع لم يوصلهن لمرحلة الإتقان، فكان لا بد من التدريب الذاتي، فأمضت الأخوات الفترة من بداية 2017 حتى منتصف 2019 في حضور دورات تدريبية عن بُعد، والبحث والتعلم بحب وشغف، حتى أتقن الصناعة تمامًا.تحدي الآلاتولم يكن الحصول على الأجهزة والآلات الخاصة بصناعة الفخار أمرًا يسيرًا، على حد قول الأخت الكبرى شيخة التي شبهت الوصول للشركات التي تبيع هذه الأجهزة بالتحدي، خصوصًا الفرن، فالأمر استغرق وقتًا طويلًا لوصول القطع من أمريكا وكندا، وربط الموزعين بشركات التوصيل.التجربة الأولىوهكذا بدأت الحرفة بهواية وتعلم وصل لحد الإتقان ثم العطاء، وكان إيمان إحدى قريباتهن بإبداعهن بداية هذا العطاء، ما جعلها تقوم بكتابة أسمائهن في ورشة تدريبية لدى إحدى المدارس الخاصة دون إخبارهن بذلك، وكنّ متشوقات لخوض التجربة الأولى، التي أعقبتها عدة ورش في مدارس أخرى تطوعًا من منطلق حبهن لهذه الصناعة ورغبتهن في العطاء.ومن غرفة صغيرة يغمرها ضوء الشمس في منزل العائلة، كان انطلاق الورش التدريبية الخاصة بهن، فتقول شيخة العبدالكريم عن أول ورشة خاصة: «كان يوم البداية ويوم الإنجاز، كانت ورشة متميزة والمتدربات رائعات، نسينا التعب، كل قطعة صنعت نشعر بأننا مَن صنعها، سعادتنا تشبه سعادتهن وأكثر، وما زلت أذكر أسماء جميع المتدربات في الورشة الأولى».جائحة كوروناأما الورشة الثانية فكان لجائحة كورونا الكلمة الأقوى في إيقافها، فبعد اكتمال المقاعد ودفع التكاليف من قبل المتدربات، بدأت هجمة الفيروس، فاضطر الأخوات إلى الاعتذار للمتدربات قبل يوم واحد من بداية الورشة، وإعادة كافة المستحقات، على أمل اللقاء قريبًا.وعندما رفع الحظر، وعادت الحياة لطبيعتها بشكل جزئي، عادت ورش الفخار لأجندة الأخوات، فاستوعبن أربع متدربات فقط في الورشة الواحدة التي تمتد لستة أيام، مع أخذ الحيطة والحذر والالتزام بالتباعد، وبعد أن انخفضت الحالات المصابة بالفيروس بشكل كبير، بفضل الله، ثم بجهد الجهات المختصة، توسعن في استيعاب عدد أكبر من المتدربات، فكان الإقبال كبيرًا، لأن فترة الحجر المنزلي جعلت الناس يكتشفون جوانب جديدة في أنفسهم، وجعلت لديهم رغبة في تعلم أمور جديدة وخوض تجارب عديدة، وتعاقبت الورش التدريبية منذ نهاية أكتوبر حتى الآن.سعادة المتدرباتوفي بداية كل ورشة تدريبية تحرص الأخوات الثلاث على التأكيد للمتدربات أنها للتعلم وللسعادة وممارسة الاسترخاء، وانعكس ذلك بشكل رائع على المتدربات، اللائي يعبّرن عن راحتهن النفسية أثناء الصناعة منذ بداية التشكيل، مرورًا بمرحلة التجفيف والتشذيب التي تحوّل القطعة من مصمتة إلى قطعة تحمل انحناءات وزخارف، ما يبعث الراحة في النفس، ويعلمها الهدوء والصبر.خطوات الإبداععجن وتشكيل وتشذيب وحرق، بهذه الخطوات تبدأ الأخوات عملية صناعة تحفة فنية من الطين، تبعث الشعور بالفخر في نفس صانعتها، فصناعة القطعة الواحدة تمتد لأيام ما بين عجن الطين الطبيعي المأخوذ من الأحساء أو البحرين أو الطين الطبيعي المعدل، وهذه المرحلة تأخذ وقتًا وجهدًا، انتقالًا لمرحلة التشكيل بتقنياته وطرقه، وحالة تركيز معينة يجب الوصول إليها أثناء القيام بهذه الخطوة، ومن ثم الانتظار لمدة يومَين حتى تجف القطعة، وبعدها مرحلة التشذيب التي تعطي الشكل النهائي للقطعة، وبعدها الحرق لمدة 24 ساعة، والتي يكنّ بعدها في حالة تأهب شديد عند كل مرة يفتح فيها باب الفرن، ويفحصن القطع بعد أن تبرد قليلًا، وبعدها تأتي مرحلة التلوين بمادة اللون المزجج «القليز»، وهي مزيج من لون وزجاج وطين، بحيث تمنح القطعة لونًا وحماية، ويتمازج اللون مع القطعة فيصبح جزءًا منه، ويصاحب هذه المرحلة سكينة في النفس واعتماد على الذوق الخاص بصانعة القطعة، وبعد الانتهاء من التلوين تدخل القطعة للفرن مرة أخرى لمدة يوم ونصف تقريبًا، وبعض المتخصصين يدخلونها الفرن من ثلاثة إلى أربعة أيام، حينها تصل القطعة الفخارية للمرحلة النهائية، وتتمكن الحرفية من مشاهدة الجمال الذي صنعته بيديها، ويحمل الكثير من تعبها، وفرحتها أيضًا.

مشاركة :