القاهرة - تجدد السجال حول أزمة مقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني في القاهرة، حيث اعتبرت روما، الخميس، قرار النيابة العامة المصرية، الأربعاء، بإسقاط الشبهات عن خمسة أفراد من الشرطة المصرية، “غير مقبول”. وقالت وزارة الخارجية الإيطالية، إنها “ستواصل العمل على كل المستويات، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي للتوصل إلى الحقيقة في قضية مقتل جوليو ريجيني بوحشية”. ويشير الموقف الإيطالي إلى أن الأزمة قد تظل معلقة لحين التوصل إلى الحقيقة كاملة، وأن الشكوك في الموقف المصري ربما تتحول إلى منغص سياسي للبلدين اللذين يحتفظان بعلاقات جيدة، وقاوما العواصف التي هبت من وراء مصرع ريجيني. وأعلن النائب العام المصري، الأربعاء، أنه “لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية في واقعة قتل واحتجاز المجني عليه جوليو ريجيني وتعذيبه بدنيًّا، مؤقتًا لعدم معرفة الفاعل، وتكليف جهات البحث بموالاة التحري لتحديده”. ويرى متابعون، أن من نصحوا الحكومة المصرية بهذا البيان لم يفهموا طبيعة الرأي العام الغربي حيال القضايا الإنسانية التي لا تسقط بالتقادم، فعلى مدار نحو خمسة أعوام لم تفلح القاهرة في تبديد الهواجس الإيطالية، في ظل تدحرج الحجج من مربع إلى آخر، حتى وصلت إلى قرار غلق الملف من جانبها، وتركه مفتوحا في روما. وفي 30 نوفمبر الماضي، أعلنت نيابة الجمهورية بروما الاشتباه بمسؤولية خمسة أفراد في أجهزة أمنية عن مقتل الطالب الإيطالي، خفض العدد إلى أربعة، بينما تحفظت النيابة المصرية على الاشتباه في العناصر الأمنية وتحدثت عن “تشكيل عصابي” بغرض سرقة ريجيني. واعتبر المتحدث باسم منظمة العفو الدولية في إيطاليا، ريكاردو نوري، الخميس، بيان النيابة العامة المصرية “غير مقبول، ونأمل أن تتخذ الحكومة الإيطالية موقفاً منه”. ودخل أعضاء البرلمانين الإيطالي والأوروبي سباقا محموما في هذه القضية قد ينذر بالمزيد من التوترات السياسية، لأن هناك أعضاء وجدوا في القضية ملاذا لدغدغة مشاعر ناخبيهم، والإيحاء بأنهم من مناصري حقوق الإنسان. ووصف رئيس اللجنة البرلمانية التي تحقق في مقتل ريجيني، النائب الإيطالي إيراسمو بالازوتو، البيان المصري بأنه “محاولة مخزية أخرى للتضليل، مطالباً الحكومة الإيطالية بطلب توضيح بهذا الخصوص”. وتراهن الحكومة المصرية على تغليب إيطاليا مصالحها، وتكرار الموقف الفرنسي الذي أعلنه الرئيس إيمانيول ماكرون الشهر الماضي، عندما أكد صراحة أن المصالحة الاستراتيجية مع القاهرة أهم من الاهتمام بحقوق الإنسان في مصر. وأذاعت القاهرة، الخميس، نبأ وصول الفرقاطة “الجلالة” من طراز “فريم” لقاعدة الإسكندرية البحرية، وهي واحدة من فرقاطتين تم التعاقد عليهما مع إيطاليا مؤخرا. وتوسعت القاهرة في عقد صفقات أسلحة مع إيطاليا كوسيلة لحل الأزمة، غير أن هذا الاتجاه قد يعرضها لاتهامات من قوى غربية مختلفة بأنها تريد شراء أسلحة للحصول على رضاء روما مقابل غلق ملف ريجيني. وتتجاهل الرؤية المصرية الحساسية المفرطة لقضايا حقوق الإنسان في أوروبا، وبصرف النظر عن التوظيف السياسي من قبل بعض الجهات للأزمة، فالقاهرة لم تكن ردودها مقنعة، وزاد منها البيان الأخير الذي قرر غلق القضية دون أن يقدم دليلا قويا للطريقة التي لقي بها ريجيني مصرعه. وألمحت مصادر مصرية، لـ”العرب”، إلى أن هناك سوء تقدير للعواقب السياسية منذ بداية الأزمة، زاد منه الثقة السياسية المفرطة في الحكومة الإيطالية دون انتباه لدور أطراف محرضة تحاول توظيف مقتل الطالب ليس بالضرورة للنيل من القاهرة، لكن لهز صورة الحكومة في روما التي أصبحت مضطرة إلى التماهي مع الرأي العام. وتوقع جمال زهران أستاذ العلوم السياسية بجامعة قناة السويس المصري، أن تتأزم العلاقة بين البلدين في ملفات بعينها، خاصة التنسيق القضائي والحقوقي، لكن ستظل هناك مساحة من التفاهم في قضايا تمس جوهر العلاقات بينهما، مثل التعاون العسكري، والتنسيق في شرق البحر المتوسط، وهو ما تلعب عليه مصر. وأضاف لـ”العرب”، أن القاهرة لن تتراجع خطوة واحدة إلى الوراء في ما يتعلق بتسليم الضباط المتهمين من قبل روما بقتل ريجيني، لأن ذلك يمس من هيبة الدولة، ما يتطلب أن يتم الاعتماد على القنوات الدبلوماسية الرسمية لوأد التصعيد الدولي المرتقب من إيطاليا، وهي معضلة ستعاني منها القاهرة لأنها لم تتعامل مع الملف بشكل محنك. ويبدو أن الحكومة الإيطالية تقوم بالتصعيد استجابة لضغوط الشارع ومنظمات حقوقية، وإذا تراجعت قد تنهار شعبيتها وتسقط وتحدث انتخابات مبكرة، لذلك لن تمانع من مسايرة التوتر مع مصر لاسترضاء جمهورها مع استمرار التنسيق الخفي بعيدا عن الأضواء مع القاهرة، وهو ما يهم مصر لتستمر العلاقة بهامش معقول.
مشاركة :