مع كل الاحتلالات والتدخلات والسياسات الاستفزازية الأحادية التركية المهددة للأمن والسلام والاستقرار في داخل تركيا والمنطقة والعالم، يحق لشعوب المنطقة والعالم كمتضررين من السياسات التركية البحث والتدقيق في ماهية وبنية السلطة في تركيا وكذلك منبع ومصدر وآلية اتخاذ قرارات السياسة الداخلية والخارجية في تركيا، وعلاقة هذه السلطة بالنظام العالمي المهيمن أو ما يسمى بالمجتمع الدولي وهيئة الدول القومية (الأمم المتحدة ) ومؤسساتها وربما علينا النظر إلى مدى توافق مشاريع السلطة الحالية التركية الخاصة مع مشاريع نظام الهيمنة العالمي، كون تشكيل تركيا بحدودها الحالية وببنيتها المعنوية والمادية وبأحزابها وبالدولة العميقة فيها بعد عام 1952 كان لأدوار وظيفية وأداتية حاسمة في مستقبل المنطقة وهيمنة النظام العالمي عليها. مما لا شك فيه أن ذهنية الدولة القوموية الفاشية وثقافتها أو حداثتها ونمط حياتها، هي التي تقود تركيا منذ عام 1923 وحتى اليوم مهما اختلفت وتعددت الحكومات والسلطات والأحزاب في تركيا، بل أن هذه الدولة القوموية كانت تجّدد نفسها وتكتسب دماء وطاقة جديدة عبر العديد من الانقلابات والكثير من ممارسات الإبادة والإنكار والقتل والتهجير العرقي والتغيير الديموغرافي، كلما كانت تعاني من بعض الأزمات والقضايا التي هي جزء متمم ومرافق للدولة القوموية التركية والتحكم بها من قبل النظام العالمي. ولو نظرنا إلى السنوات العشرة الأخيرة من عمر السلطة التركية وخصوصًا السنوات الخمسة الأخيرة وبعد تشكيل ثنائي أردوغان_بهجلي للسلطة أو بشكل أدق بعد تحكم حزب الحركة القومية التركية بزعامة دولت بهجلي وفرض سياسته وبرنامجه على أردوغان وحزب العدالة والتنمية كشرط لبقاء أردوغان في الحكم بعد صراع السلطة الذي ظهر بين أردوغان وفتح الله غولن وتخلي حركة الخدمة عن أردوغان وصعود حزب الشعوب الديمقراطي ذو الخط الثالث الاستراتيجي الذي يستند إلى السياسة الديمقراطية وتنظيم المجتمع الديمقراطي وحصوله على 80 مقعدا في البرلمان التركي وتجاوزه حاجز 10% لأول مرة في تاريخ الحركة الديمقراطية والكردية، وكل ذلك بعد هزيمة داعش في مدينة كوباني التي كان أردوغان يأمل ويتكلم عن سقوطها حتى لا يؤثر ذلك إيجابًا على تزايد تماسك ووحدة إرادة الشعب الكردي والشعوب الأخرى في تركيا والمنطقة. وحزب الحركة القومية التركية هو حزب طوراني ويميني متطرف وقوموي فاشي لديه رؤية استعلائية وتكبرية وتنمرية على شعوب المنطقة، أسسه ألب أرسلان توركيش في عام1969 أحد الانقلابيين عام 1960. ولدى الحزب جناح عسكري هو منظمة الذئاب الرمادية التي تشكلت منذ 1960 بل هي كان أساس الحزب. و ينحدر اسم الذئاب الرمادية من بعض الخرافات والأوهام التركية الوثنية القادمة من آسيا الوسطى، وقامت فرنسا مؤخرًا بوضع الذئاب الرمادية في قائمة الإرهاب نتيجة أعمالها في أوروبا. ووضعته دول أخرى تحت المراقبة القصوى. علمًا لهذه المنظمة سجل حافل بالإرهاب والقتل والتفجيرات تحت إشراف المخابرات التركية وحاليًا تحت إشراف أردوغان وحزب العدالة والتنمية بعد تشكيل سلطة أردوغان وبهجلي. من الصحيح وصف المرحلة الحالية للدولة التركية بالمرحلة البدائية لألمانيا النازية، حيث أن تركيا الآن تحمل أوجه تشابه مقلقة مع ألمانيا النازية، أرادت ألمانيا النازية التخلص من معاهدة فرساي، وبالمثل تريد تركيا التخلص من معاهدة لوزان، ألمانيا النازية اتبعت فكرة ليبنسراوم (المجال الحيوي أو مساحة لاستيعاب توسيع الوطن) وتركيا تتبع فكرة الوطن الأزرق والميثاق الملي أو العثمانية الجديدة. ويمكننا أن ندرك حجم الاضطراب والتخبط والخوف في السياسة التركية و كذلك سعي السلطة الأردوغانية والبهجلية في الاحتفاظ بالسلطة تحت أية ظروف وشروط لاستشعارهم بدنو أجل سلطتهم داخليًا وخارجيًا من خلال عدة مؤشرات: 1_ التعدي على قدسية الدين الإسلامي واستعماله كرافعة وحاملة وأداة لسلطته وللتدخلات الخارجية في شعوب المنطقة و دول الجوار والدول العربية. ولعل حشود وتجمعات الإخوان المرتزقة والإرهابيين من داعش والقاعدة والنصرة والجيش الوطني السوري والائتلاف السوري المعارض في تركيا وفي مناطق الاحتلال التركي في شمال سوريا ومع كل ما يرتكبونه مستخدمين اسم الإسلام من جرائم وإرهاب أمام أنظار الشعوب والعالم يؤكد ذلك. مع تطاول أردوغان وإهانته للشعائر الإسلامية عندما وصف النساء المحجبات في المعارضة التركية من غير حزبه بعارضات أزياء وكأن المرأة لن تكون مسلمة ومحجبة إذا لم تكن من مؤيدي و أعضاء حزب أردوغان. 2_ إعداد مدعون أتراك بأوامر أردوغان ووزير داخليته لائحة اتهام ضد 108 أشخاص وغيرهم، واعتقال وسجن الكثيرين من السياسيين والنواب الكرد ورؤساء البلديات والنشطاء والإعلامين فقط من أعضاء حزب الشعوب الديمقراطي حوالي ٢٠ ألف سجن منهم حوالي ١٠ ألف منذ عام ٢٠١٦، فيما يتعلق باحتجاجات أثارها هجوم داعش على بلدة كوباني السورية عام 2014 وتهم أخرى مفبركة وكاذبة، بالإضافة إلى حربها المستمرة على الشعب الكردي في باكور كردستان( جنوب شرق تركيا) وشمالي سوريا وإقليم كردستان العراق. 3_ تمديد البرلمان التركي مذكرة تواجد الجيش التركي في ليبيا بموافقة حزبي أردوغان وبخجلي وكذلك حزب الشعب الجمهوري وحزب الخير ماعدا حزب الشعوب الديمقراطي، وهذا ما يمثله من تحدي واضح لكل الدول العربية والجامعة العربية التي تقف مع الشعب الليبي وسيادتها ووحدة أراضيها وترفض التدخلات الإقليمية وجلب المرتزقة. 4_ تواجد تركيا في 12 دولة بشكل مباشر واحتلالي و استمرار تجهيز تركيا للمرتزقة أو الإنكشاريين الأردوغانيين في معسكراتها في مناطق الاحتلال في سوريا وفي داخل تركيا وإرسالهم إلى عدة دول ومناطق جديدة منها أثيوبيا و كشمير في باكستان و اليمن وإلى مناطق الدفاع المشروع على الحدود العراقية التركية لمواجهة قوات الدفاع الشعبي( الكريلا). 5_ إفشال تركيا لأية جهود للسلام والتسويات في الدول التي تشهد أزمات وتتدخل تركيا فيها، وكما أن السلطة التركية لا تريد حل أية أزمات بين الدول في المنطقة والعالم لأن الحلول والتسويات وتقليل الفوضى والأزمات سوف تجعلها تخرج من هذه الدول أو تضعف تأثيرها، ولذلك نرى تركيا معرقلة لأية جهود لحل في المنطقة ولعل الفيتو التركي حول مشاركة الإدارة الذاتية ومجلس سوريا الديمقراطية في جهود الحل السياسي وفق قرار 2254 في سوريا وأيضا سعي تركيا لإفشال الحل في ليبيا بعد المفاوضات الأخيرة وإقامتها ثلاث معسكرات جديدة في مصراتة وطرابلس والخمس واستمرار جلب الأسلحة والمرتزقة جويًا وبريًا حتى وصلوا لحوالي ٢٠ الف . ودور تركيا وإيران وقطر في تفجير عدن الأخير وغيرها دلائل على أن السلطة التركية ترى مصلحتها في نشر الفوضى والخراب ومزيد من التطرف والإرهاب في المنطقة ودولها . وأحيانا إن ذهبت تركيا لجهود السلام فهي لإطالة أمد الأزمة وإدارتها وليس حلها، فهي ترى الفوضى أرضية خصبة لمشاريعها ولإنشاء المزيد من المرتزقة. 6_ كذب الخارجية التركية بل السلطة برمتها على شعبها وعلى الخارج بشكل يومي وتقديم معلومات رسمية مضللة ومخادعة أبرزها قول مولود جاويش أوغلو أن هناك مجموعة عمل مع أمريكا حول أنظمة الصواريخ الروسية إس 400 في حين رفضته الخارجية الأمريكية. و لجوء السلطة التركية إلى إخفاء قتلاها في المعارك التي تخوضها ضد الشعب الكردي وشعوب المنطقة، وتقديم معلومات كاذبة عن تعرض ما يسمى أمنها القومي للخطر وحتى في أعداد المصابين بالكورونا وخاصة من بين المسجونين لديها. 7_ منع حق الحياة عن حوالي 33% من مواطني تركيا وهم الشعب الكردي ولعل قرار المحكمة في قضية باكيز هازار المسنة الكردية ذات 82 عامًا التي قُتلت عندما دهستها عربة مصفحة في 14 يونيو 2017، حيث قررت المحكمة بالإجماع تحويل عقوبة السجن الصادرة بحق السائق إلى غرامة قانونية قدرها 18 ألف ليرة تركية (2400 دولار أميركي)، والتي سيتم دفعها على 24 قسطًا. كما رفضت استئنافات أخرى بشأن الأسس الموضوعية للقضية، وايضًا قتل الطائرات التركية ل 33 شابًا مدنيًا في مجزرة روبسكي بأوامر أردوغان عام 2011 و حرق 150 شابًا (العديد منهم كانوا جرحى) بالبنزين في مدينة جزيرا عام 2016 في باكور كردستان (جنوب شرق تركيا) في قبو أحد الأبنية، ورمي كرديين ثروت تورغوت وعثمان شيبان من طائرة هليكوبتر عسكرية في مدينة ولاية وان، وموت المسن الثمانيني في السجن علي بوتشكان لمدعه النبي باللغة الكردية وقتل تركيا للشاب باريش جاكان لسماعه أغنية كردية في أنقرة ومنع مسرحيات وسجن مغنيين بسبب اللغة الكردية وهناك الآلاف من الأمثلة المشابهة وحتى الأن لا يوجد أي محاسبة وكيف يحاسب هل يحاسب أردوغان وبهجلي نفسيهما وهم الذي أمروا بتلك الجرائم والسياسات. 8_استمرار التعاون والعلاقات مع روسيا وإيران والصين والمشاريع الغازية الروسية لإرسالها عبر تركيا إلى أوربا وكسر العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران رغم العقوبات الامريكية والأوربية وهذا سيكلف تركيا والسلطة الحالية ثمنًا باهظًا إن لم تكن السبب في إقصائها من الحكم والسلطة ومحاسبتهم، حيث مهما كان تظل تركيا أداة وجزء من منظومة الناتو الأمنية والاقتصادية وغير مسموح لها الخروج على مبادئهاو إطارها. 9_فقدان الوظائف وتزايد البطالة وتراجع الليرة وارتفاع التضخم أي أن الاقتصاد التركي ونتيجة للحروب والميزانيات السرية ولمغامرات السلطة أصبح شبه منهار ومسنود بشكل جزئي من قبل قطر ومن بعض الأدوات التركية الاقتصادية الأخرى في المنطقة والعالم التي تسرق شعوبها وبلدانها وتعطيها للسلطة التركية كضمانة لبقائهم وولائهم للسلطان المعتوه. 10_إعتماد السلطة وعلاقتها بالمافيا والإرهابيين والإفراج عن الكثيرين منهم لحاجة السلطة لهم مثل تشاكيجي وغيره وتشكيل شركات أمنية كما هي شركة السادات وتيكا وغيرها التي لها دور فعال في إيصال المخابرات و المرتزقة الإنكشاريين الأردوغانيين إلى وجهاتهم وأماكنهم لضرب الاستقرار والأمن في بعض الدول التي تستهدفها تركيا . 11_ الحفاظ على حالة الطوارئ والحرب الدائمة والاعتقالات اليومية وزج الجيش في حروب مستمرة حتى تسيطر السلطة على الداخل التركي وتفاعلاتها عبر تعبئة الفاشية التركية ضد المعارضين وسجنهم وأحيانًا قتلهم ولإبقاء الجيش مشغولًا دائمًا وقابلًا للتغيرات التي تجريها سلطة أردوغان وبهجلي حتى لا يفكر بالسلطة أو التمرد. 12_ مطالبة بهجلي ومعه شبيهه رئيس حزب الوطن، دوغو بيرينجيك الفاشي بإغلاق حزب الشعوب الديمقراطي، وترافقه مع سجن الرئيسة المشتركة لمؤتمر المجتمع الديمقراطي والنائبة ليلى كوفن ومطالبة المحكمة الأوروبية والعديد من المنظمات الحقوقية الدولية بالإفراج عن صلا الدين دميرطاش في ظل رفض السلطة لتوصيات المحاكم الأوروبية. 13_ عودة نشاط داعش وحراس الدين و النصرة والجيش الوطني السوري في حوالي عين عيسى وتل تمر وفي الرقة وتل السمن وفي البادية السورية وغيرها بعد زيارة المحيسني أحد متزعمي النصرة إلى عفرين المحتلة وورود أنباء من الاجتماع عن مراحل عمل جديدة بين تركيا وهذه المنظمات في سوريا وإرسال عناصر من القاعدة إلى ليبيا والتنسيق بين إيران وتركيا وداعش والنصرة في شرق الفرات لضرب الأمان وزرع الفتن بين المكونات. 14_ خطف أردوغان وعبر سفاراته ومخابراته في العديد من الدول في العالم للمعارضين له وجلبهم عبر المافيات ومنظمات الجريمة المنظمة، وقتل بعض المعارضين كما حصل مع المناضلات الكرديات الثلاث ساكينة جانسيز وليلى شايلماز وفيدان دوغان في باريس عام 2013 . وعليه نرى أن السلطة التركية الحالية أصبحت بسلوكها وذهنيتها ونمطها المجسدة لمفهوم الدولة القوموية الطورانية العثمانية ولو بلبوث إسلاموي، تجسد رغبة السلطة والتحكم والهيمنة والذكورية البعيدة والغريبة عن كل قيم منطقتنا(الشرق الأوسط وشمال أفريقيا) التي حافظت على التنوع والتعدد فيها، بوجود تقاليد ديمقراطية عريقة في ثقافة المنطقة التاريخية لكن تركيا الحالية بسلطاتها الفاشية وبسلوكياتها وممارساتها وبفكرها وبمرتزقتها وعلاقتها مع داعش وإعادة تدويرها وإحيائها، أصبحت تهديد كبير على أمن واستقرار المنطقة وعلى داخل تركيا قبل الخارج، في ظل إصرار سلطة أردوغان_بهجلي على التمسك والوجود في الحكم، وعلاقاتها مع إيران في المنطقة وكذلك تبعيتها للنظام العالمي في الوقت نفسه، تبقى المنطقة مرشحة لكثير من الاضطرابات والتوترات والأزمات والفوضى، إلى أن يتم التخلص من هذه السلطة وائتلاف القوى الذي أوجد حزب العدالة والتنمية ووضعه على سدة الحكم، والذهاب بتركيا الفاشية الحالية إلى جمهورية ديمقراطية تحترم إرادة أبنائها وتحترم سيادة دول الجوار والمنطقة وإلا ستكون تركيا قدمت إلى أن تصبح عراق أو سوريا أو ليبيا أو يمن جديدة في احسن الأحوال إن لم تصبح مثل الإمبراطورية العثمانية والنازية في أواخر عهودهم.
مشاركة :