رحم الله القراءة الخلدونية - شريفة الشملان

  • 8/27/2015
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

كم نبدو مختلفين عن أحفادنا، كانت التراكمات المعرفية لدينا في الصف الأول لا تتعدى جملاً حفظناها، وبعض حروف كتبناها، أما الأرقام فيكفي أن نجمع أصغرها، وأن نستطيع العد للعشرة. كنا عجينة يسهل تشكيلها، وكنا نستسلم بسهولة للقائد المعلم وهو يدير دفة الصف كما يشاء. نحن كنا نكتشف لذة الحرف وشكل الرقم، لم تكن الفصول مكتظة رغم أن أغلب أهلينا لم يكونوا يؤمنون بتحديد النسل ،المدرسة هي المكان الذي نلتقي فيه، وهي ملعبنا ومتنفسنا، كما هي مكان تأديبنا، حيث المعلمات هن الخوف والرعب أحياناً فالمسطرة المتينة أداة عقاب لنا عندما لا نكتب الواجب، أو نسرح أثناء الشرح. أما الحبس في الغرفة المظلمة فهو أسلوب تخويف لم يصب أحد منا فهي غرفة نسمع بها ولا نراها وربما ليست موجودة أصلاً، بها فئران وقطط سود بأظافر يمكن أن تجعل من وجوهنا خرائط من دماء. وكانت الكذبة الكبرى التي انطلت علينا. الآن يعود أحفادنا للمدارس، محملين بكم معرفي قد يفوق آباءهم ،أنهم يعرفون كيف يستعملون الكمبيوتر وكيف يجدون المعلومة ومنها الأنشودة والأغنية واللعبة المفضلة، وكيف يتخاطبون مع بعضهم البعض، ملغين المسافات. مع هذا الجيل الذي كبر عقلاً بسرعة وله طموحات وأفكار تبدو جدران المدرسة ضيقة جداً، خاصة عندما لا تتوفر البيئة المدرسية التي تناسب تلك العقليات الجديدة التي تنبثق هنا وهناك، والتي تتسارع بشكل كبير وخوفاً أن تفوق أستاذها، لذا فالمعلمون يسابقون الزمن في التعليم، لم تعد الورقة والقلم والكتاب هي أدوات التعليم ولا السبورة، التعليم سهل وصعب بالوقت ذاته، فهو سهل لتوفر الأدوات التي تعين المدرس، وسهل حيث الطلاب أكثر سعة أفق وأكثر رغبة في التعلم، وصعب بالوقت ذاته عندما لا يكون المعلم ولا البيئة المدرسية على مستوى كبير من الأخذ في أسباب العلم والتعلم. وصعب لأن الطموحات أكبر والعالم يجري مسرعاً وعلينا لحاقه.. فالعلوم ليست منحصرة في كتب ولا تتحملها السبورة، لذا فلابد من تحرر المناهج من نمطية التعليم والخروج به للفضاء الواسع حيث المعلم ليس موصلاً فقط ولا ملقناً، بل هو محفز والبرهان يأتي مع النظرية التي تستوعبها عقولهم الغضة. البيئة المدرسية التي نقول عنها وقلنا الكثير هي بيئة متكاملة البناء والمساحة والمناهج ومعلم تربوي يعرف كيف يتعامل مع طفل اليوم الذي يختلف كثيراً عن طفل البارحة. وكل يوم تتدفق الكثير من المعلومات الجديدة، هذه المعلومات تشكل بحراً هائجاً قد يبلع الصغار إن لم نعودهم على السباحة فيه. يمر عام ويتلوه عام ويذهب وزير ويأتي آخر والبيئة المدرسية مكانها لم تتقلص أعداد المدارس المستأجرة، وما كبرت المدارس المبنية، وأيضا المدارس الأهلية والتي أصبح الآباء يرغبونها ليس حباً بالتباهي ولكن لأنها قد تكون بيئة مدرسية أفضل من نظيرتها الحكومية. وهذه النظرة موجودة لدى الكثيرين، إذا يتوقعون ماداموا يدفعون نتائج أفضل، والحقيقة أن المدارس الحكومية لديها فرص أحسن لو اهتمت بالتعليم بشكل متكامل من ألفه ليائه، خاصة كما أسلفت الطفل ما عاد جاهلاً فلديه الكثير من الإدراك والمعلومات التي تساعد المدرس، ويتعلم منه مثلما هو يعلمه. ورحم الله ساطع الحصري والقراءة الخلدونية، التي تعلمنا من خلالها.

مشاركة :