تتزايد حدة السخرية بالمدارس من خطاب دونالد ترامب السياسي بصورة يومية، في حين أنها تزهو بخطاب جيب بوش الرصين، وحملته الانتخابية المخططة بعناية وذات الأهداف السياسية المحافظة، في ظل ارتفاع حدة المواجهات بين المرشحين للرئاسة الأميركية. وصف ترامب خطط الهجرة لدى بوش بأنها «لعب أطفال» ووصف سياسته التعليمية بأنها «مثيرة للشفقة». كما أعرب عن تعاطفه الوهمي مع جمهور السيد بوش، الذي يقول إنهم يصابون بالملل الشديد خلال خطاباته حتى إنهم «يغطون في النوم» خلالها. وخلال عطلة نهاية الأسبوع، سخر السيد ترامب من حملة بوش الإعلانية الجديدة التي ظهرت فيها يده اليسرى أكثر قتامة من يده اليمنى. وكتب السيد ترامب في تغريدة له على «تويتر» يقول: «لا يمكن لـ(جيب) أن يضبط الأمور جيدا». وبعد تحمله لتلك السخريات والهجمات اللاذعة لعدة أسابيع، التي أثارت حالة استياء متزايدة من قبل المؤيدين، قرر السيد بوش، الحاكم السابق لولاية فلوريدا، ومساعدوه، الخروج من منطقة الراحة التي يمكثون بها ويستعيرون صفحة من كتاب قواعد اللعبة الذي يستخدمه السيد ترامب، ألا وهي اللكمات المرتدة، بقوة وإبداع، ومرارا وتكرارا خلال الأسابيع المقبلة، ما يعتبر نقطة تحول في حملة بوش الانتخابية التي كانت محل مناقشة يوم الاثنين في مدينة ماك ألين بولاية تكساس على طول الحدود مع المكسيك. هناك، وصف السيد بوش خطة الهجرة الخاصة بالسيد ترامب بأنها «غير واقعية»، ووصف سياساته بأنها غير جمهورية، ودعا، بشكل ساخر ولاذع، رجل الأعمال «ترامب» إلى قراءة كتاب بوش بعنوان «حروب الهجرة» ليعلم نفسه كيفية اتخاذ الحلول العلمية للمشكلات. يعتبر التغيير في لهجة السيد بوش استراتيجية محسوبة بعناية، حيث تُظهر المقابلات الشخصية أن ترامب بات يُشكل فعليا عقبة طويلة الأمد، وليس مصدر إزعاج عابر. وتهدف الاستراتيجية الجديدة إلى التخفيف من دعم تيار اليمين للسيد ترامب عن طريق إثبات أنه ليس من المحافظين الحقيقيين، ولإظهار بوش لدى الحزب الجمهوري القلق أن لديه ما يكفيه من ثبات المقاتلين السياسيين للنجاة في منافسات الترشيح للحزب. وفي اعتراف صريح يميل إلى التذمر حيال المشهد السياسي المتغير، أعلن بوش يوم الاثنين أن ترامب «مرشح جاد للغاية». كما أخبر المراسلين في أحد المطاعم بالقرب من الحدود: «لا بد من محاسبته ومساءلته على آرائه». والمقاربة الجديدة، التي بدأت مع ملاحظات بوش بالأسبوع الماضي في نيو هامشير ثم يوم الاثنين، قد تتسع قريبا لتشمل البدائل التي يمكنها توسيع قاعدة الانتقادات الموجهة ضد سياسات ترامب، وهي الوسيلة التي حاول بها ميت رومني أن يقلل من شأن خصومه مثل نيوت غنغريتش في عام 2012، حسبما قالت مصادر على اطلاع بالمناقشات، والذين يصرون على إخفاء هوياتهم لمناقشة الخطط القابلة للتغيير بمرور الوقت. وفي مقابلة عبر الهاتف أجريت يوم الاثنين، سخر ترامب من اقتراح بوش أن عليه قراءة كتابه حول الهجرة، حيث قال في جفاء: «سوف يكون ذلك مثيرا». وأضاف قائلا: «لا بد أن بوش يعي تماما ما حدث في حملته الانتخابية؛ فهي على وشك الانهيار». ولكن حالة الإصرار الجديدة لدى بوش لا تخلو تماما من العوائق بحال. حتى مع سعيه لحجب الأضواء عن ترامب، فلقد أظهر مدى تحول معسكر المرشحين الجمهوريين للعب وفق قواعد ترامب. واستجابة لضغوط من أجل تفسير تبنيه لمصطلح «الطفل المؤقت»، الذي يعتبره الكثير من المهاجرين مهينا، انطلق بوش مرددا رفض ترامب للحساسيات اللغوية، حيث قال بوش: «أعتقد أنه حري بنا أن نتراجع خطوة واحدة إلى الوراء، ونهدئ قليلا من سخونة أعصابنا حيث يتعلق الأمر بالتصويب السياسي». ويقول المقربون من بوش إن حملته الانتخابية اتسمت بالتردد من حيث الولوج السريع في المرحلة الخاضعة لسيطرة «القتال» بين المرشحين. ولقد بدأ بوش بالكاد في عرض سجله السياسي وسيرته الذاتية على الناخبين، مما لا يزال يعتبر من أهدافه الأساسية. أما ترامب فلقد أظهر قوة راسخة، ولقد جعل من بوش محل تركيز أسلوبه الانتخابي التهكمي الساخر. وتأكد بوش ومعاونوه أنهم لم يعودوا قادرين على تجنب المواجهة المباشرة مع ترامب من دون أن يظهروا في صورة الجبناء. ولقد أعربوا عن استيائهم الواضح حيال إهانات ترامب، وخصوصا عندما وصف بوش بأنه «شخصية قصيرة النفس»، وهي العبارة التي كررها ترامب مرات كثيرة خلال المقابلة التي أجريت معه. يقول كيفين مادين، المستشار السابق لحملة رومني الانتخابية والناشط الجمهوري القديم، إن الاستراتيجية الجديدة لبوش: «تعد اعترافا بأننا ننتقل من بداية موسم أغسطس (آب) إلى الموسم الاعتيادي حيث الانتصارات والخسائر ذات أهمية قصوى». كما أضاف يقول: «كلما سمحوا لترامب بالكثير من الكلام، زادت مخاطر انتشار تلك الانتقادات بين جموع الناحبين». ولكن أسلوب «اللكمات المرتدة» ضد ترامب يشكل قدرا من المخاطر في حد ذاته؛ إذ إن وجوده المستمر تقريبا على شاشات التلفاز أدى إلى حد بعيد لأن يكون الرجل صاحب أكبر الأبواق داخل حلبة الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري، كما يمكن لذلك أن يجعل الحياة سيئة جدا بالنسبة لخصومه. تقول سالي برادشو، من كبار مستشاري بوش، إن الحملة الانتخابية كانت تتعامل مع ترامب من واقع «تعاملنا مع كل المرشحين الجمهوريين الآخرين»، وأضافت تقول: «ظل ترامب ولعدة أسابيع يشن هجومه على الحاكم بوش، ولكن بوش استغل تلك الفرص في تسليط الضوء على خلافاتهما حول مختلف القضايا. إنه ذلك التضاد الذي نرحب به». وفي تكساس، هاجم بوش خطة ترامب حول ترحيل ملايين المهاجرين غير الشرعيين في البلاد وتشييد جدار عملاق على الحدود مع المكسيك. وقال السيد بوش عن ذلك: «تفيد الحقيقة البسيطة بأن اقتراحه غير عملي تماما. فسوف يتكلف تنفيذه إنفاق مليارات الدولارات. وسوف يعد انتهاكا للحريات المدنية لدى المواطنين. وسوف تخلق حالة من الاحتكاك المباشر مع ثالث أكبر شريك تجاري وهي خطوة ليست ضرورية على الإطلاق». كما ظهر بوش في بعض الأوقات محبطا عندما يضطر للرد على انتقادات السيد ترامب حول قضايا المكسيك، وأمن الحدود، والمواطنة. وأفاد بوش باللغة الإسبانية: «إنني متزوج وسعيد مع زوجتي الأميركية من أصول مكسيكية. وأصول أولادي هي أصول إسبانية. أما بالنسبة لتجربة الهجرة، فلا أحتاج لدروس من أحد حول ذلك أبدا».
مشاركة :