إخوان الصفا لرشيد الخيون

  • 8/29/2015
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

يتناول رشيد الخيون في كتابه الصادر عن دار مدارك "إخوان الصفا، المفترى عليهم، الإعجاب والعجب" مادة من بين أغنى المواد الحافلة بمديات غير محدودة لدراسة الحضارة العباسية وثقافتها. والخيون الباحث في التراث العربي الإسلامي، والذي يملك حافظة نادرة بين أبناء جيله، ومثابرة على التأليف، أصدر ما يزيد على السبعة عشر كتاباً في مواضيع مختلفة، وأكثرها يصل الماضي بالحاضر في إشارات دالة. إخوان الصفا أبرز متفلسفي ومناطقة البصرة، تركوا سفراً نادراً في تاريخ الفكر العربي رغم أن أسماءهم بقيت مجهولة إلا ما ورد في مؤلفات التوحيدي الذي كان منهم، مع إشارات قلة من المؤرخين، ولكن شهرة رسائلهم التي تخلوا من توقيع مؤلف، كانت قد ذهبت بعيداً وحظت بترجمات ومؤلفات معاصرة. ظهر إخوان الصفا في القرن الرابع الهجري، غب أفول الامبراطورية العباسية، وبعد أن اتسعت آفاق الترجمة من الفلسفة اليونانية إلى العربية عبر السريانية لتنتج متلفسفين مثل ابن سينا والفارابي، ورغم أن الترجمة عن الفكر الاغريقي كانت بتشجيع من الخلفاء العباسيين وبخاصة المأمون، غير أن التفلسف ظهر في العربية بين فجوات المنع والإباحة، وليس السلطة السياسية وحدها من كانت تمنع التفكير العقلي، بل هناك سلطات الظل المؤثرة اجتماعيا. اتسع درس إخوان الصفا حتى أثاروا عجب وإعجاب الباحثين المحدثين، ومن هنا استقى الخيون عنوان كتابه. ويشرح المؤلف في مقدمته الأسباب التي دعته إلى استخدام هذا العنوان، فالإحالة إلى الافتراء يعزوه إلى ما عانته هذه الفرقة من عنت التعصب" بدءاً من إنكار وجودهم ومحاولات غمط حقهم في تأليف الرسائل ونسبتها إلى أكثر من شخصية، إلى زجهم في صراعات سياسية مذهبية، وتكفيرهم وتفسيقهم، ورميهم بالشعوذة ورداءة التأليف". ولكن العجب والإعجاب مصدرهما ما حفلت رسائلهم من مادة علمية وعقلية تتفوق على زمنها بكثير، مع ما رافقتها من شعوذات القرون الوسطى. يشير الخيون إلى ما جاء في "الإمتاع والمؤانسة" للتوحيدي عند إجابته على سؤال ابن سعدان وهو وزير صمصام الدولة بن عضد الدولة البويهي عن أسماء هذه الفرقة حين ذكر منهم: أبو سليمان محمد بن معشر البيسيتي ويعرف بالمقدسي، وأبو الحسن علي بن هارون الزنجاني، وأبو أحمد المرجاني، والعوفي وغيرهم. ولم تشتهر تلك الأسماء بمؤلفات لافتة تضارع شهرة كتب التوحيدي، غير أن عمق المبحث النثري عند الأخير الذي فاق الجاحظ لغة وأفكاراً، يمكن نسبته إلى تلك المنظورات الثرة التي حفلت بها رسائل إخوان الصفا، فقد أفاد منها مثلما ساهم في كتابتها. يلفت الخيون الأنظار إلى مبحثين مهمين في الرسائل الأول يتعلق بعلم التاريخ وفيه يرجّح أسبقيتهم في ما حسبه حتى الغربيون بداية علمية عند ابن خلدون، فابن خلدون الذي تجاهل الإشارة الى تأثيرهم، كان قد استقى مقدمته من ما أتت به هذه الفرقة من أفكار وتصورات عن التاريخ والتأرخة، وهذا ما ألف فيه غير كاتب معاصر. والمبحث الثاني الذي يفرد فيه الخيون فصلاً هو ما جاء في رسائلهم من نظرية تكاد تقارب نظرية دارون في أصل الأنواع، وفيه يعرّج المؤلف إلى نكران بعض المعاصرين لما جاء في هذه النظرية من حيثيات. بيد ان الأكثر أهمية في رسائل إخوان الصفا هو علاقتهم بالفلسفة والموسيقى والرياضيات، ويضع المؤلف نص التوحيدي حول مصدر إيمانهم بالتفلسف: "وضعوا بينهم مذهباً زعموا أنهم قربوا إلى الفوز برضوان الله، وذلك أنهم قالوا: إن الشريعة قد دنست بالجهالات، واختلطت بالضّلالات، ولا سبيل إلى غسلها وتطهيرها إلا بالفلسفة، لأنها حاوية للحكمة الاعتقادية والمصلحة الاجتهادية، وزعموا أنه متى انتظمت الفلسفة اليونانية والشريعة العربية، فقد حصل الكمال. وصنفوا خمسين رسالة في جميع أجزاء الفلسفة، علميها وعمليها، وأفردوا لها فهرساً، وسموها رسائل إخوان الصّفا، وكتموا فيها أسماءهم، وبثوها في الوراقين". تعرّض إخوان الصفا إلى هجوم الغزالي شأنه شأن من يرفض فكرة التفلسف في شؤون الحياة العربية الإسلامية، ولعل هذا الحال وراء امتناعهم عن وضع أسمائهم على الرسائل، فهو يعرضهم إلى مساءلة أهل السلطة وأهل الرياسات الاجتماعية. بيد أن اللافت في رسائلهم وطريقة وضعها هو البعد الثقافي في جدل الحياة والعلم والسياسية، ولعل هذا يبرز في غير مبحث أبرزه إيمانهم بالوعي وما يصل إليه البشر بفعل التلقي العلمي، فالحياة الجماعية لإخوان الصّفا التي تكاد تتشبه بالفرق الصوفية في طقسها السري، هي نتيجة الانتفاضات وحراك الأفكار والعقائد امتد فترة العباسيين المتأخرة، ولم تحظ تلك الافكار بفرص الانتشار إلاّ بعد أن تراخت سلطة الامبراطورية، وبدأت التمردات ونبعت الاجتهادات وتكونت الأحزاب والفرق الغنوصية،

مشاركة :