ما خاب من استشار حكمة تظل تضيء طريق من يبحث عن النجاح في عمله، وتعطي من يعمل بها مكانة لا يعرفها إلا من تواضع وتنازل ليستمع إلى كلام السابقين له في أي مجال عمل، فمن يبحث عن المعرفة ويثابر لن يصاب بالكبرياء الذي يصيب بعض المسؤولين ممن يعتقدون أنهم يعرفون كل شيء منذ اول يوم تطأ أرجلهم مكان عملهم الجديد، وتلك آفة المجتمعات العربية بشكل عام، شفانا الله وعافانا منها. لم أقصد من تلك المقدمة النصح والإرشاد بقدر ما أردت استخدامها للتطرق إلى أمر هام جدا يختص بخبرات المتقاعدين بشكل عام، فكل مؤسسة حكومية كانت ام خاصة، ﻻ بد وان يكون لديها نخبة من أصحاب الخبرات المتراكمة عبر السنين احيلوا على التقاعد. كما ان هناك شخصيات وطنية عملت داخل وخارج البحرين واستطاعت أن تمثل البحرين في المحافل الدولية خير تمثيل، ومنهم من درس سنين طويلة وحصل على اعلى الدرجات العلمية من بعض الدول العربية والأجنبية واطلع على الشأن الداخلي لتلك الدول ويستطيع منح صورة أكثر تفصيلا ووضوحا لأوضاع تلك الدول التي كانوا يدرسون او يعملون فيها. وتتراكم الخبرات لدى كثير من المتقاعدين على مر السنين من خلال عملهم، ويكون لديهم مفاتيح وأسرار ومعلومات على قدر كبير من الأهمية، ربما نحتاج إليها عند طرح بعض النقاشات أو المشروعات او الموضوعات التي تلامس الشأن المحلي، أو الشأن الاقتصادي أو الاجتماعي للمملكة، ومن المؤكد أن للمتقاعدين السابقين في دول مماثلة ما يمكن أن يسهموا به في وضع سياسات أو اتخاذ قرارات تهم مصلحة المملكة والمواطن ومن هنا تكمن فكرة انشاء بنك للمتقاعدين، يحتوي على جميع اسماء المتقاعدين في المملكة وسنوات الخبرة والتخصص لكل واحد منهم في مجال عمله. ولدينا كثيرون من المتقاعدين في مجالات عديدة، كالطب والهندسة والثقافة واﻻقتصاد والعلوم الدبلوماسية واﻻمنية وغيرها. فعلى سبيل المثال لا الحصر، لدينا في وزارة الخارجية من السفراء من لديهم خبرات متراكمة تصل إلى قرابة الأربعين عاما او اكثر من العمل في السلك الدبلوماسي والنشاط السياسي الدولي لا يستهان بها، لكن لا يتم الاستفادة منها بشكل عملي يفيد المجتمع والدولة، ومن يتقاعد منهم ينتهي دوره إلا من كان لديه النشاط والهمة ولا يقبل بالهزيمة أو يقبل بالتقاعد ويستطيع التفاعل مع الآخرين وبسط رأيه من خلال المشاركة سواء بعمل يفيده ويفيد المجتمع أو المشاركة بمؤلف أو مقال أو ندوة، وبعضهم يترك المجال ويدخل في أنشطة أخرى وهنا تختفي وتندثر الخبرات التي تحتاجها الدولة وتظل حبيسة عقول هؤلاء المتقاعدين، وبذلك تكون خبرات مهدرة لا يستفاد منها. لا نريد التفريط فيمن لديهم خبرات لمجرد أنهم تقاعدوا عن العمل، لأنه وبلا شك ستأتي كوادر شابة إلى مقاعدهم، ستحتاج إلى اﻻرشاد والنصيحة من هؤلاء وستبحث عمن يمنحهم من وقته القليل ليطلعهم على أسرار العمل، لذلك أطالب المسؤولين في كل مؤسسة او وزارة، بل وكل مواقع المسؤولية في الحكومة بتوفير قنوات اتصال مباشرة بين المتقاعدين من هؤلاء الخبراء والكوادر الشبابية الصاعدة، ولدينا من التكنولوجيا ما يتيح ذلك بطرق مختلفة خاصة وأن التكنولوجيا أصبحت في متناول يد المتقاعدين والشباب ولم تعد الأمور كما كانت عليه في السابق. ولو أمكن للوزارات إتاحة موقع إلكتروني خاص بالخبراء والمستشارين من المتقاعدين في كل مؤسسة او وزارة يستطيع المواطن التواصل معهم للاستفسار عن إجراءات أو معلومات يبحثون عنها ويستطيع المتقاعد أن يسهم في إيجاد حلول لها، وأنا على يقين أن عشرات بل مئات المتقاعدين لديهم الرغبة في المساهمة بخبراتهم المتراكمة، خاصة وأن هذا العمل سيعطيهم أملا في أن الحياة لم تنته بانتهاء خدماتهم، وستعظم من قيمتهم المجتمعية التي يعلمونها وكانت خافية على الآخرين. سيكون للمشروع أثر بالغ على نفوس هؤلاء الذين يشعرون باليأس او بأنهم منسيون أو انتهى دورهم في المجتمع، وسيكون أثره أفضل بكثير على مؤسسات المملكة وعملية اتخاذ القرارات الهامة سواء على الصعيد المحلي أو الدولي، وستثبت الأيام مدى وطنية هؤلاء وحبهم للعطاء والاستمرار فيه حتى بعد التقاعد.
مشاركة :