مع بداية العام الدراسي يواجه أولياء الأمور العديد من المشكلات التي تتعلق بنشاط الأبناء، خاصة في الساعات الأولى من الصباح، وهذا الأمر مرتبط بعدة أمور منها الاعتياد على الاستيقاظ في أوقات متأخرة من اليوم، وعدم الانتظام في أمور الحياة اليومية من تناول للطعام والشراب . تترتب على ذلك تغيرات بيولوجية وجسمانية، تؤثر في الساعة البيولوجية التي تحتاج إلى وقت لضبطها والاعتياد على الاستيقاظ بشكل منتظم. بعض الأسر لا تنتبه إلى هذه المشكلة مبكراً، فتفاجأ بها على أعتاب العام الدراسي الجديد أو حتى عطلة منتصف العام، وتحاول جاهدة إصلاح ما يمكن إصلاحه، من دون جدوى على الأغلب. الخليج تحقق في هذه المشكلة المتكررة، على أمل المساعدة في الخلاص منها: مشكلات التعود يقول محمود السمان مبرمج حاسوب، إنه يواجه كثيراً من المشكلات مع ابنه في بداية العام الدراسي خاصة في الأسبوع الأول كونه اعتاد الاستيقاظ متأخراً من النوم والإصرار على مواصلة السهر مع العائلة، ما يؤدي إلى تعوده على ذلك طوال مدة الإجازة. ويكمل: إن الأسبوع الأول من بدء الدراسة يتزامن في العادة مع تغير أوقات تناول الطعام والتركيز في عمل الواجبات المدرسية وحتى طريقة التعامل مع الأبناء، الذين يصحون على الأغلب في مزاج سيئ، وهو الأمر الذي وجده مع ابنه، لكن نشاطه يتحسن مع الوقت وبعد الاستيقاظ وتناول الإفطار الصباحي والذهاب إلى المدرسة والاندماج مع بقية أقرانه من الأطفال. غياب الرقابة الأسرية أما فلاح الجديلي الذي يعمل موظفاً في أحد البنوك بالدولة، فيقول: إن الحياة المدرسية تستلزم اهتمام الآباء بأبنائهم، خصوصاً في مرحلتي النوم والاستيقاظ، لأنها تختلف من حيث الساعة البيولوجية عن أوقات الإجازة التي تغيب خلالها الرقابة الأسرية على طبيعة نوم واستيقاظ الأطفال. إن الانتظام في الدوام المدرسي يستوجب على الآباء والأمهات تحديد أوقات نوم واستيقاظ أبنائهم، على أن يكون موعد النوم مبكراً حتى ينام الأطفال بين ثماني إلى تسع ساعات، تمكنهم من الاستيقاظ نشيطين بدنياً وذهنياً لاستقبال اليوم الدراسي. ومؤسسة الأسرة مهمة جداً لإنجاح الطالب وضمان تفوقه العملي والعلمي، مع ضرورة إيجاد فلسفة أسرية ترتكز مقوماتها على الاستثمار في الأبناء من حيث الصحة والتعليم، كون ذلك ينعكس إيجاباً على نشاطهم الذهني والبدني، الأمر الذي يتطلب زيادة الاهتمام بالساعة البيولوجية وربطها في أوقات توازن بين النشاطين الحياتي والمدرسي. برنامج نشاط استباقي ويصف محمد عبد السلام موظف، بداية العام الدراسي بالتحدي الكبير في تعويد أبنائه على الاستيقاظ مبكراً والالتزام بمواعيد الدراسة والتقليل من استخدام الألعاب الإلكترونية، خاصة في أوقات الليل، وهذا يرجع إلى النظام الذي اتخذه الأبناء طول مدة الإجازة الصيفية التي تخللها السفر إلى الخارج، مما زاد من أوقات الطعام والنوم بما يجعل إعادة تهيئتهم من المشكلات التي نواجهها خلال الأسبوع الأول من الدراسة. ويكمل: نحاول منذ أسبوع مساعدتهم على الاستيقاظ في وقت مبكر، وانشغالهم بأنشطة رياضية، والخروج معهم إلى المراكز التسويقية، والعودة إلى المنزل مبكراً، في محاولة منا لإعادة الأمور إلى سابق عهدها، أيام الدراسة. اختلال هرمون النوم يوضح الدكتور سهيل عبد الله الركن رئيس جمعية الإمارات للأعصاب، بأن الساعة البيولوجية موجودة لدى جميع الكائنات الحية والإنسان، وهي الساعة التي تقوم بتنظيم وقت النوم والشعور بالجوع ومستوى الهرمونات ودرجة حرارة جسم الإنسان، وعادة تكون مدتها 24 ساعة، وتتأثر عادة بالسفر ويكون اضطراب النوم أكثر أعراضها شيوعاً، وتصيب أيضاً الطلبة في المدارس خاصة بعد مدة الإجازة التي تتغير خلالها أوقات النوم والاستيقاظ، وهذا التغير في الساعة البيولوجية يحدث نتيجة لهرمون الميلاتونين (هرمون النوم) وهذا الهرمون يفرز بعد ساعتين من غياب الشمس لدى كل الكائنات الحية بما فيها الإنسان ويتوقف عن الإفراز مع شروق الشمس، وأي اختلاف في أوقات النوم أو استعمال بعض الأجهزة الإلكترونية قبل النوم يؤدي إلى اختلال في إفرازه. وهناك دراسات كثيرة تعتبر أن التأخر عن الدراسة لدى الطلبة يأتي من مسببات عدم انتظام الساعة البيولوجية. وعن طرق العلاج الدوائي والتدخل الكيميائي فإن ذلك النوع من التدخل لا يستخدم إلا في بعض الحالات المتقدمة من عدم السيطرة والانتظام في النوم والسهر بشكل يومي، وأوصي بتطبيق برنامج خاص للطلبة قبل بدء العام الدراسي بنحو أسبوع، يستهدف الاستيقاظ مبكراً والذهاب إلى المتنزهات وممارسة الرياضة الصباحية والتغذية بشكل منتظم، فكل تلك الإجراءات تؤدي إلى انتظام الساعة البيولوجية واستقبال العام الدراسي بنشاط وتركيز عالٍ. مشكلات متزامنة ويكمل الدكتور محمد حمدي مختص أعصاب، إن تغيير عادات النوم من الأمور التي تؤدي إلى تغير في الساعة البيولوجية، مما يترتب عليه العديد من التأثيرات السلبية في جسم الإنسان بصفة عامة والطفل بصفة خاصة، ومن بين تداعيات ذلك أن يكون الفرد عرضة أكثر من غيره لاضطراب النوم وزيادة حدوث الصداع النصفي الشقيقة والصداع التوتوري والخلل في الذاكرة قصيرة المدى، لأن المخ يكون الذاكرة أثناء النوم وهذا يحدث نتيجة نقص في هرمون الميلاتونين الذي يفرز في المخ ويؤثر في الأعصاب. العامل النفسي وعن الجانب النفسي يقول الدكتور رعد الخياط استشاري الطب النفسي، إن الانتقال السريع في جدول الطلبة اليومي هو مصدر ضغط وتوتر بل وحتى ارتباك مما قد يتحول عند البعض إلى هبوط في المزاج واضطراب في النوم وضعف في الانتباه والتركيز وتنتج عنه صعوبة في التركيز واستيعاب الدروس ويضعف تحصيلهم الدراسي، حيث إن كل تلك الأعراض نتيجة طبيعية لما يقوم به الطلاب خلال مدة الإجازة الصيفية من استرخاء وتغيير في برامجهم اليومية وأوقات نومهم ويقظتهم بحيث لا يراعون فيه نشاط النهار ونوم الليل ويعطون ساعاتهم البيولوجية إجازة كذلك، فيقضون نهارهم بعضه أو كله نائمين وتلجأ نسبة كبيرة من الطلبة إلى هذا النمط من السلوك من باب التغيير والتحرر من الروتين اليومي غير آبهين بما ينطوي عليه من مآخذ وسلبيات بل وحتى من أضرار. تفاعلات داخلية لاستعادة النشاط أكدت الدكتورة ليلى البحري أخصائية طب الأطفال، أن وضع جدول وبرنامج قبل دخول العام الدراسي الجديد لاستعادة نشاط الأطفال، يعد من الأمور التي يجب أن يلجأ لها أولياء الأمور، فتبدأ بفتح الستائر ليدخل الضوء الذي ينبه شبكية العين، فترسل إشارة إلى منطقة في الدماغ تدعى النواة، والتي تؤدي إلى إفراز الميلاتونين الحمض الأميني الأساسي التريبتومان حسب تفاعلات كيميائية يتوسطها أنزيمان أحدهما SNAT الذي يحدد كمية الميلاتونين وهو ينقص بالضوء ويؤدي إلى اليقظة. كذلك يجب إشغال الأطفال أثناء النهار بأخذهم إلى الحدائق والشواطئ وممارسة النشاط البدني وبذلك لا يشعرون بالحاجة إلى النوم في النهار، وإن حدث تكون لفترة قصيرة (قيلولة) بعد الغداء، وفي المساء يعودون إلى المنزل للاستحمام والعشاء، ومن ثم إلى السرير بعد يوم حافل بالنشاط، فلا يجدون صعوبة للخلود إلى النوم. ويجب الانتباه لإطفاء كل الأنوار في غرفتهم بما فيهم الكمبيوتر والموبايل والألعاب الكهربائية وتدريجياً سيعودون إلى النظام المعتاد وتعديل الساعة البيولوجية، مع التأكيد بعدم السماح لهم بالسهر الطويل في عطلة نهاية الأسبوع، حتى لا تضطرب الساعة البيولوجية مجدداً، لأن ذلك سيدفع إلى التأخر في الاستيقاظ صباحاً، فنعود إلى نفس المشكلة، وبالتالي سيؤثر في أداء الأبناء في المدرسة، عندما تنقص ساعات النوم وبالتالي يقل الانتباه والتركيز أثناء الدروس ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى الخمول والعصبية.
مشاركة :