خرج آلاف اللبنانيين، أمس، للتظاهر في وسط بيروت في أكبر تجمع منذ انطلاقة الحراك الشعبي، مطالبين باستقالة وزير الداخلية نهاد المشنوق على خلفية الصدامات التي وقعت في صفوف محتجين وقوى الأمن الأسبوع الماضي، كما طالبوا باستقالة وزير البيئة محمد المشنوق على ضوء ما سموه «فشلا بأداء واجبه» بحل أزمة النفايات في شوارع لبنان منذ أكثر من شهر، محددين مهلة 72 ساعة أمام الحكومة لتنفيذ مطالبهم، متوعدين بالتصعيد الثلاثاء المقبل، في حال الفشل بتحقيق مطالبهم. أعلنت هذه المواقف، خلال تظاهرة حاشدة شارك فيها الآلاف من غير الحزبيين، ويمثلون المجتمع المدني وحراك «طلعت ريحتكم» و«بدنا نحاسب» الذي يضغط لحل أزمة النفايات. وتعد هذه التظاهرة الأكبر في لبنان التي لا تدعو لها أحزاب، وتنتقد السلطات اللبنانية. وأكدت متحدثة باسم حملة «طلعت ريحتكم»، في كلمة لها من ساحة الشهداء، أن المعركة لا تزال مستمرة وهي الآن في بدايتها حتى تعود المؤسسات التنفيذية والتشريعية ملكًا للمواطنين وليس الزعماء، وحتى انتخاب رئيس للجمهورية واستعادة أموال البلديات. الحملة شددت على أن الهدف «بناء دولة مدنية وديمقراطية عادلة»، مؤكدة الاستمرار حتى استقالة وزير البيئة «بسبب فشله في أداء واجبه» خصوصًا فيما يخص ملف النفايات، وتوقيف كل من أمر بإطلاق النار على المتظاهرين، بالإضافة إلى محاسبة وزير الداخلية والبلديات. وأوضحت الحملة أننا «لسنا دعاة عنف ولكن لا نخاف المواجهة.. هدفنا تطبيق الدستور ومتجهون إلى التصعيد يوم الثلاثاء المقبل في حال عدم توجه الحكومة إلى التجاوب مع مطالبنا». هذا، وكان آلاف المتظاهرين اللبنانيين قد خرجوا إلى ساحة الشهداء في وسط بيروت، بدعوة من منظمات المجتمع المدني، في إطار سلسلة تحركات متواصلة منذ أسابيع بدأت احتجاجا على أزمة النفايات وتطورت إلى تنديد بالفساد ومطالبة بتغيير الطبقة الحاكمة. غير أن النائب ميشال عون، الذي نأى المتظاهرون بحراكهم عنه وعن باقي السياسيين، شكك بقدرة المتظاهرين على الضغط لتحقيق المطالب، قائلاً في تغريدة له: «لن تتحرّروا من الذين تتظاهرون ضدهم اليوم إلا بانتخابكم الرئيس مباشرة من الشعب»، في إشارة إلى الفراغ الرئاسي في البلاد منذ 14 شهرًا. من ناحية ثانية، استبقت السلطات اللبنانية التظاهرة، بعقد اجتماع لمجلس الأمن المركزي، قرر فيه إنشاء غرفة عمليات مشتركة بين الجيش وقوى الأمن الداخلي للتنسيق الفعال بين القوى لحفظ أمن التظاهرة ومنع الفوضى وضمان سلامة المتظاهرين والممتلكات العامة والخاصة. كذلك ناقش الأوضاع الأمنية في ضوء التظاهرات التي تشهدها الساحة اللبنانية وما شابها من أعمال قام بها بعض المندسين تخل بأمن الوطن والمواطن. ولقد أوعز وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق لقادة الأجهزة الأمنية بضرورة اتخاذ كل الإجراءات والتدابير اللازمة لحفظ الأمن. بدأ المعتصمون بالوصول إلى ساحة الشهداء، منذ الخامسة عصرًا، بينما انطلقت تظاهرة أخرى من أمام مقر وزارة الداخلية في حي الصنائع، وانطلقت باتجاه الساحة الشهداء حيث التقى المتظاهرون، ورفعوا لافتات منددة بالمسؤولين اللبنانيين، بينها «يسقط يسقط حكم الأزعر.. نحن الشعب خط أحمر». وأكد المتظاهرون أنهم يعارضون مختلف الشخصيات السياسية في الحكم، والأحزاب التي انبثقوا عنها، رافعين شعار «كلن يعني كلن»، مشددين على أنها تظاهرة مطلبية، وغير حزبية. واخترقت التظاهرة أمس، جمودًا في المؤسسات السياسية اللبنانية، انسحب الأسبوع الماضي على الحكومة أيضًا، بعد إعلان وزراء حزب الله والتيار الوطني الحر الذي يترأسه عون، مقاطعة الجلسات الوزارية. ويتوقع أن يحرّك رئيس البرلمان اللبناني نبيه برّي اليوم هذا الجمود، من خلال مبادرة سياسية يطرحها خلال كلمة له يلقيها في مهرجان تقيمه حركة أمل التي يترأسها، إحياء للذكرى الـ37 لغياب مؤسسها الإمام موسى الصدر في مدينة النبطية في جنوب لبنان. وقالت مصادر بارزة في حركة أمل، لـ«الشرق الأوسط» إن «برّي سيعلن، كعادته في ذكرى الصدر، مواقف وطنية بحجم المناسبة»، مشيرة إلى أنها ستتناول الأوضاع المحلية وصورة المشهد الإقليمي وآليات الحلول الناجعة لإيصال لبنان والمنطقة إلى بر الأمان. وكان وزير الإعلام رمزي جريج، أعلن أنه يعول على مبادرة برّي من أجل إحياء الحوار بين جميع الأطراف السياسية الفاعلة بهدف التوصل إلى بعض الحلول عبر الحوار. وقال جريج في حديث إذاعي: يبدو أن الحكومة سيكتمل عقدتها سواء في الأسبوع القادم أو ما بعده بعد اكتمال عقدها، مشيرا إلى أنه بعد عودة المقاطعين إلى الحكومة ينبغي عليها أن تعمل خصوصا وأن مجلس الوزراء ليس المكان الأنسب لحل الخلافات السياسية، مشددا على أنه عند تأليف الحكومة وضعت هذه الخلافات جانبا. هذا، وجاءت أزمة النفايات لتضاف إلى الأزمة السياسية الناتجة عن شغور في موقع رئاسة الجمهورية منذ مايو (أيار) 2014 بسبب انقسام المجلس النيابي الذي يفترض أن ينتخب الرئيس وعجزه عن تأمين نصاب أو أكثرية الثلثين المطلوبة لإنجاز الانتخاب. وفي ظل الانقسامات والتوترات الأمنية المتقطعة على خلفية النزاع في سوريا المجاورة، مدد مجلس النواب ولايته بقرار صدر عنه في نوفمبر (تشرين الثاني) 2014 حتى يونيو (حزيران) 2017، في خطوة عارضتها شريحة واسعة من اللبنانيين معتبرة إياها غير قانونية.
مشاركة :