على الرغم من الارتياح الواسع لإصدار الرئيس الفلسطيني محمود عباس مرسوماً رئاسياً بالدعوة للانتخابات العامة في الضفة الغربية، بما فيها القدس، وقطاع غزة، لأول مرة منذ عام 2006، عبر مراقبون ومحللون فلسطينيون عن مخاوفهم من أن إجراء الانتخابات في هذا التوقيت ما زال يواجه تحديات وعقبات داخلية وخارجية. ويعزو المراقبون السبب في هذه المخاوف للفشل المتكرر للحوارات السابقة وعدم تطبيق اتفاقيات المصالحة، والحاجة الماسة لتوفير جملة من الضمانات، تؤسس لمرحلة فلسطينية جديدة تشكل لانهاء الانقسام وتحقيق المصالحة والشراكة بين مكونات المجتمع الفلسطيني. وكان الرئيس محمود عباس أصدر أمس الجمعة مرسوما رئاسيا بعقد الانتخابات التشريعية والرئاسية كمخرج لإنهاء حالة الانقسام الفلسطيني، بعد موافقة حركة المقاومة الاسلامية (حماس). ومن المنتظر أن تجتمع الفصائل الفلسطينية في القاهرة في وقت لاحق من هذا الشهر للاتفاق على التفاصيل الاجرائية لعقد الانتخابات العامة. وستُجرى الانتخابات التشريعية والرئاسية بشكل متتابع، وفق ما ورد في المرسوم الرئاسي، حيث ستعقد الانتخابات التشريعية بتاريخ 22 مايو 2021، وستعقد الانتخابات الرئاسية بتاريخ 31 يوليو 2021. كما جاء في المرسوم أن الانتخابات التشريعية جزء من انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني، المؤسسة التشريعية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وحدد تاريخ 31 أغسطس 2021 موعداً لاستكمال تشكيل المجلس الوطني وفق أحكام النظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية. مخاوف تكريس الانقسام من غير المعروف الأسباب الحقيقية التي دفعت الرئيس الفلسطيني لاتخاذ قرار تحديد موعد الانتخابات في هذا التوقيت. ويعزو الكاتب والمحلل السياسي من رام الله هاني المصري السبب الى التغييرات في الإدارة الأمريكية ، والضغط الدولي والعربي، فضلا عن تنازل حماس عن المبدأ الذي كان الأهم بالنسبة لها وهو إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في وقت واحد وليس بشكل متدرج كما كانت تطالب حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح). وقال المصري إن ما يخشاه حقيقة ليس العامل الخارجي بقدر مخاوفه من أن تشكل هذه الانتخابات مدخلا "لاستنساخ الوضع القائم من الانقسام الداخلي من دون تغيير وتجديد حقيقي". وينبه المصري إلى أن الانتخابات "ستواجه تحديات، واقع الانقسام، وتوفر الأجواء الحرة والنزيهة من دون تزوير إلى جانب تدخلات التمويل الخارجي وإذا ما كانت نتائج الانتخابات سيتم احترامها فلسطينيا وإسرائيليا وأمريكيا". ويشير إلى مصير مجهول "لانتخابات المجلس الوطني لمنظمة التحرير كون أن التوافق تم على توالي الانتخابات في ظل مخاوف من أن تقف عند الرئاسية وقد لا تصل حتى إليها". ويرى المصري أن إصدار مرسوم بمواعيد الانتخابات أولا ومن ثم بدء حوار بين الفصائل ثانيا هو "سير بالمقلوب" إذ كان يتعين أن يكون الحوار منصبا على إنجاح العملية الانتخابية، ولا يشمل عددا من القضايا الجوهرية التي يؤدي تجاهلها إلى حصاد الفشل". ويوضح أنه "كان من الأفضل قبل كل هذا توفير بيئة ملائمة لإجراء الانتخابات، والتوافق على تشكيل حكومة انتقالية، تحضر لانتخابات حرة ونزيهة وتحترم نتائجها". غموض بشأن الالتزام بالانتخابات ونتائجها يؤكد المحلل السياسي من غزة مصطفى إبراهيم أهمية اللجوء إلى انتخابات عامة لتجديد النظام السياسي الفلسطيني وشرعيته كضرورة وطنية، لكنه يشير الى أنه لا أحد يستطيع التنبؤ بما سيحصل خلال الفترة القادمة. وأشار الى أن هناك عدة أشهر متبقية لاجراء الانتخابات والمنافسة على مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني، وخلال هذه الأشهر يمكن أن تحدث أشياء كثيرة قد تؤدي إلى إلغاء الانتخابات، خاصة وأن هناك فجوات عميقة من عدم الثقة بين الحركتين فتح وحماس. ويشير إبراهيم كذلك الى أسئلة كثيرة من بينها مصير اللجنة الإدارية التابعة لحماس التي تدير العمل الحكومي اليومي في غزة، وغياب اجهزة السلطة الفلسطينية ومدى احترام حرية العمل السياسي في الضفة الغربية والقطاع بشكل متساو، فضلا عن إجراء الانتخابات في القدس في ضوء عدم صدور موقف إسرائيلي رسمي بشأن السماح بإجرائها في المدينة لاسيما مع توجه إسرائيل لانتخابات جديدة في مارس المقبل. وكانت اسرائيل قد سمحت باجراء الانتخابات العامة الفلسطينية عام 2006 في شرق القدس. ويرى ابراهيم ان إسرائيل تمر بأزمة سياسية مستمرة ولن يكون من السهل عليها الموافقة علانية على انتخابات فلسطينية في القدس، مشيرا الى ضرورة وجود خطط فلسطينية بديلة في حالة عدم سماح إسرائيل بإجرائها. ويرى إبراهيم أن "الخشية قائمة كون الوضع الداخلي المنقسم والمرتبك وغير المهيأ فضلا عن التحكم الإسرائيلي بالقدس ومناطق واسعة في الضفة الغربية يمكن أن يفجر كل الانتخابات قبل إجرائها". ويشدد ابراهيم في المقابل على أن إجراء الانتخابات سيشكل اختبارا حاسما للفلسطينيين من أجل الانتصار على الانقسام عبر ترميم المؤسسات الرسمية في انتخابات حقيقية وديمقراطية وحرة نزيهة. ويؤمل أن تقود الانتخابات العامة لإنهاء الانقسام الفلسطيني الداخلي المستمر منذ منتصف عام 2007 على إثر سيطرة حركة حماس على الأوضاع في قطاع غزة بالقوة. وستكون هذه ثالث انتخابات يجريها الفلسطينيون منذ تأسيس السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة بموجب اتفاق أوسلو للسلام المرحلي مع إسرائيل عام 1994. وجرت أول انتخابات تشريعية ورئاسية متزامنة عام 1996، ثم أجريت انتخابات رئاسية عام 2006 وفاز فيها الرئيس عباس، وبعد ذلك بعام أجريت انتخابات للمجلس التشريعي وأسفرت عن فوز حركة حماس بالأغلبية. تأثير الانتخابات على عملية السلام وستجري الانتخابات الفلسطينية في مرحلة حساسة بالنسبة للفلسطينيين عقب وصول إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن وتراجع أفق السلام مع إسرائيل. وبهذا الصدد يرى المحلل السياسي الفلسطيني من رام الله رجب أبو سرية أنه في حال لم تحدث أي عقبات أو تحديات فمن شأن الانتخابات تعزيز موقف السلطة الفلسطينية كجهة شرعية ومنتخبة لفتح أفق سياسية للمرحلة المقبلة. ويقول أبو سرية إن السلطة الفلسطينية ستظهر بعد الانتخابات معززة بالشراكة بين حركتي فتح وحماس، وستكون أقوى مما هو عليه الحال اليوم، وهذا يعني أن أي اتفاق مع السلطة القادمة سيكون مكفول التنفيذ. ويضيف أنه بمجرد إجراء الانتخابات الفلسطينية، سيكون الطرف الفلسطيني جاهزا محليا ودوليا لعقد أي اتفاق حل تاريخي، فيما مطلوب من إسرائيل أن تخرج عبر صناديق الاقتراع حكومة مرنة، أو معتدلة بشكل كاف للتوصل لحل يقبل به الطرفان أولا، ويضمنه المجتمع الدولي بما فيه الولايات المتحدة ثانيا. ويعتقد أبو سرية أن المضي في إجراء الانتخابات وإنهاء الانقسام الفلسطيني سيعني فتح الباب لمفاوضات الحل النهائي بين فلسطين وإسرائيل، لذا فهي تنطوي على أهمية بالغة، على أكثر من صعيد وفي أكثر من اتجاه، ما لم يتم عرقلة العملية الديمقراطية.
مشاركة :