يرى مراقبون فلسطينيون أن الحالة الفلسطينية تقف أمام مفترق طرق بين خطر زيادة الاستقطاب وتعميق الانقسام من جهة ومساعي التوحد الداخلي وبلورة قيادة جماعية من جهة أخرى. وأبرز المراقبون في تصريحات منفصلة لوكالة أنباء (شينخوا)، أن الفلسطينيين يواجهون واقعا من الفراغ الداخلي عقب إلغاء إجراء الانتخابات العامة التي كانت مقررة في 22 من شهر مايو الماضي بسبب عدم سماح إسرائيل بإجرائها في شرق القدس. ويضاف إلى ذلك ما أفرزته جولة التوتر الأخيرة مع إسرائيل التي اندلعت شراراتها في شرق القدس وامتدت إلى قطاع غزة عبر تصعيد عسكري استمر 11 يوما واستدعى تدخلا إقليميا ودوليا أعاد القضية الفلسطينية للواجهة بعد سنوات من التهميش. -- تحول مهم -- يرى مدير المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية (مسارات) هاني المصري أن تطورات التوتر الأخير مع إسرائيل "شكلت تحولا مهما فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية التي عادت إلى صدارة الأحداث والاهتمام العالمي بوصفها قضية تحرر وطني". ويؤكد المصري أن ما تحقق للفلسطينيين سببه الرئيسي "وحدة نضال ومقاومة الشعب الفلسطيني في جميع أماكن تواجده، رغم الظروف الخاصة بكل تجمع، واستخدام أشكال النضال التي تناسبه ضد الاحتلال الإسرائيلي". لكنه يبرز في المقابل مخاطر "صراع الشرعيات" الذي تشهده الساحة الفلسطينية عقب التطورات الأخيرة ما يهدد الفلسطينيين بالدخول في "نفق انقسام أعمق وأخطر بدلا من توظيف ما جرى والبناء عليه لإنجاز وحدة وطنية حقيقية وشراكة كاملة". ويشدد على أن النظام السياسي الفلسطيني بات "بحاجة إلى تغيير عميق يشمل السياسات والمسار وأساليب العمل والأشخاص، على أن يكون السبيل لتحقيق ذلك عبر أساليب ديمقراطية سياسية والشراكة". ويقترح المصري "البدء بالتغيير بمرحلة انتقالية يتم فيها تشكيل قيادة مؤقتة كخطوة على طريق إنهاء الانقسام وتوحيد المؤسسات والتحضير لانتخابات على كل المستويات، وفي كل القطاعات، وإعادة بناء المؤسسات الفلسطينية". -- محادثات مرتقبة برعاية مصرية -- وأعلن مسئولون فلسطينيون أن مصر الوسيط الرئيسي في ملف المصالحة الفلسطينية، وجهت دعوات للفصائل للاجتماع قريبا في القاهرة بغرض بحث استئناف جهود ترتيب البيت الداخلي. وجاءت الدعوة المصرية في إطار رعاية القاهرة اتفاقا لوقف إطلاق النار بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل لإنهاء جولة التوتر التي اندلعت في قطاع غزة في 10 إلى 21 مايو الماضي. وخلفت موجة التوتر التي وصفت بالأعنف منذ سنوات مقتل أكثر من 250 فلسطينيا و13 شخصا في إسرائيل فضلا عن تدمير واسع في المباني والمنازل السكنية والبني التحتية في قطاع غزة. وتريد مصر أن تشكل محادثات الفصائل مدخلا رئيسيا لإيجاد آلية تضمن إعادة إعمار قطاع غزة عبر بوابة السلطة الفلسطينية بموجب اتفاق داخلي لتجنب مخاطر تكريس الانقسام الحاصل منذ عام 2007. وقال مصدر فلسطيني لـ (شينخوا)، إن التركيز الفلسطيني يستهدف كذلك تثبيت التهدئة وتوسيعها لتشمل وقف إجراءات إسرائيل في القدس والضفة الغربية وتعزيز الموقف الداخلي الفلسطيني من ذلك. وذكر المصدر مشترطا عدم ذكر اسمه، أن عمليات الإعمار مسئولية الحكومة وليس الفصائل لكن يجب بلورة تفاهمات تشمل كافة تفاصيل ذلك بما يدفع لحشد أكبر دعم دولي مطلوب. -- الضغط لتحقيق مكاسب سياسية -- وركزت السلطة الفلسطينية على ضرورة استغلال الموقف كمدخل لإحياء عملية السلام برعاية دولية عبر عقد مؤتمر دولي للسلام وفقا لما طرحه الرئيس محمود عباس منذ أشهر. ويقول عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية أحمد مجدلاني إن ما يجري الآن من تحركات سياسية تقودها مصر هو إعادة تأكيد على شرعية منظمة التحرير والتمسك بها كبوابة لأي تحرك سياسي مستقبلي إضافة إلى ملف إعادة الإعمار. ويشير مجدلاني لـ (شينخوا)، إلى أن الجهد المصري يأتي في ضوء البحث عن هدنة شاملة تشمل جميع الأراضي الفلسطينية كوحدة جغرافية واحدة ومن جهة ثانية إعادة إحياء الحوار الوطني الفلسطيني في القاهرة وصولا إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية. وفي ظل الفشل المتكرر لتفاهمات التقارب الفلسطيني الداخلي، حذرت أوساط سياسية من نزاع "شرعيات" في الشارع الفلسطيني مع تنامي شعبية حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بعد موجة القتال الأخيرة مع إسرائيل. ويقول الدبلوماسي الفلسطيني السابق نبيل عمرو إن التنازع على الشرعيات يشكل الخطر الأكبر على القضية الفلسطينية وأن التحرك المصري يركز على تجنب هذا السيناريو. ويضيف نبيل عمرو أن مصر قادرة على إبعاد الفلسطينيين عن المزيد من التشرذم في المواقف ونفوذها يمكنها من إيجاد صيغ مشتركة "تجنب الحالة الفلسطينية هذا المحظور الذي سوف تتأثر فيه كل القضية الفلسطينية". ويرى أن المصريين يريدون أن يروا تفاهما فلسطينيا داخليا يساعد على حل المشكلة الراهنة في غزة ويدعم على فتح مسار سياسي يدفع إلى إيجاد حلا للقضية الفلسطينية بشكل جذري. وينبه عمرو إلى أن هناك إيجابيات قوية حصلت في الفترة الأخيرة أبرزها تطور الدور المصري وإجماع العالم على تفويض القاهرة للتوسط في ملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لاسيما التطورات الميدانية. -- متطلبات لنجاح الحوار الفلسطيني-- يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيرزيت في مدينة رام الله هاني موسى، أن نجاح الحوار الوطني الفلسطيني مرتبط بجدية وإرادة الأطراف الرئيسية اللاعبة في الساحة الفلسطينية خاصة حركتي فتح وحماس. ويقول موسى إن ذلك مرتبط أيضا بمدى الدور الإيجابي الذي ستقدمه الأطراف الدولية الفاعلة وعلى رأسها مصر لإعادة ترتيب البيت الفلسطيني من دون اشتراطات وتدخلات خارجية تضع العقبات. ويضيف أن ما جرى من مستجدات سياسية قد يؤدي إلى اتساع الفجوة ما بين فتح وحماس، باعتبار أن حماس تشعر بنشوة ارتفاع شعبيتها عقب المواجهة الأخيرة مع إسرائيل. ويبرز أن إسرائيل من جهتها "معنية باستمرار الانقسام الفلسطيني الداخلي لتعطيل أي مساعي جدية لحل القضية الفلسطينية وستحاول أن تعمق الفجوة بين حركتي فتح وحماس". ويشدد موسى على أن استمرار الإخفاق في جهود تحقيق المصالحة الداخلية سيعمق المخاطر على القضية الفلسطينية والعودة إلى المربع الأول بتعميق الانقسام وتحوله إلى انفصال دائم.
مشاركة :