ستتجه أنظار العالم يوم (17 سبتمبر2015م) إلى الكونجرس الأمريكي حيث يعقد جلسته الحاسمة للتصويت على الاتفاق النووي المثير للاستياء - الذي تم التوقيع عليه في (14 يوليو 2015م) بين مجموعة (5+1) وإيران، وهذا يعيدني إلى (الحوار الاستراتيجي الخليجي الأمريكي) الذي عُقد في الدوحة بتاريخ (3 أغسطس 2015م) وتأتي أهميته في ظل ما تمر به المنطقة من تطورات وتهديدات لها الكثير من الانعكاسات على مستقبل وكيان دول مجلس التعاون وعلاقاتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة بعد التوقيع على الاتفاق، وما أُثير في ذلك الحوار من مناقشات مثيرة وساخنة جداً بين وزير الخارجية الأمريكي جون كيري وعدد من وزراء خارجية دول مجلس التعاون أثارت استياءه وغضبه لولا تدخل وزير خارجية سلطنة عُمان في اللحظة المناسبة لينهي النقاش ويؤكد على الاتفاق الجماعي الخليجي لما طرحه الوزير كيري (شفاهةً) حول أهمية الاتفاق الذي يَحدّ من حصول إيران على القوة النووية واهتمام الولايات المتحدة الكبير بأمن واستقرار دول المجلس ووقوفها ضد أية تهديدات من إيران. لقد بذلت الولايات المتحدة جهوداً جبارة للتوصل لهذا الاتفاق رغم الاعتراضات الخليجية والإسرائيلية عليه وكذلك الكونغرس الأمريكي ذو الأغلبية الجمهورية، إلا أن ذلك لم يثنِ الرئيس الأمريكي باراك أوباما وإدارته من المضي قدماً من أجل التوصل لهذا الاتفاق مهما كان الثمن، وهو الاتفاق الذي يمنع إيران من الحصول على القوة النووية للخمس عشرة سنة القادمة حسب ما يروج له الرئيس أوباما. إلا أنه وفي إطار الاستراتيجية الأمريكية الجديدة في المنطقة، يصبح الاتفاق النووي مع إيران - كما أعتقد - الركيزة الأساسية للرؤية الأمريكية المستقبلية للسنوات المقبلة نحو إعادة تشكيل (الشرق الأوسط الجديد) رغم كل التصريحات الأمريكية المطمئنة التي كان آخرها تصريح وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في مؤتمره الصحافي بالدوحة مع نظيره القطري عقب الاجتماع بأن: (الولايات المتحدة ملتزمة بأمن واستقرار دول مجلس التعاون). ويمكن تشبيه الموقف الأمريكي بعد الاتفاق النووي مع إيران بالانسحاب البريطاني من الخليج العربي في أواخر ستينيات القرن الماضي، والذي كان فاتحته قيام إيران باحتلال الجزر الإماراتية الثلاث، وفتح أبواب المنطقة على مصراعيها للولايات المتحدة الأمريكية لتثبيت موقعها في الخليج وتحقيق هيمنتها الكاملة على أهم خطوط الملاحة الدولية ومصادر الطاقة في العالم خصوصاً بعد قيام ثورة الخميني والإطاحة بنظام الشاه الحليف الاستراتيجي لها في المنطقة عام 1979م. ولعل أهم أسباب استياء دول مجلس التعاون من هذا التحول والرؤية الأمريكية الجديدة لمستقبل المنطقة والإقبال نحو إعطاء إيران دوراً مهماً فيها ما يلي: أولاً: ارتباط أمن دول مجلس التعاون واستقرارها بالولايات المتحدة الأمريكية، وعدم ثقتها بالبديل الصيني أو الاتحاد الروسي. ثانياً: اعتماد الكونغرس الأمريكي والبرلمانات الأوروبية في تحديد مسار علاقات دولها الثنائية مع دول مجلس التعاون وغيرها من دول العالم على معايير تقوم على احترام مبادئ حقوق الإنسان وحرية التعبير والالتزام بها. ثالثاً: الإصرار الأمريكي على تنفيذ سياسة (التغيير) في الشرق الأوسط، وعدم وجود موقف خليجي موحَّد تجاه هذه السياسة والتغيير الاستراتيجي نظراً لاختلاف مصالح دول مجلس التعاون الخاصة وعلاقاتها كلٍ على حدةٍ بالولايات المتحدة. رابعاً: ضعف الجبهة الخليجية الداخلية أمام الانتشار المخيف لأعمال العنف والإرهاب، وانتشار الفساد الأخلاقي والإداري والاجتماعي فيه، ما أدى إلى ظهور طبقة اجتماعية تتمتَّع بالكثير من الامتيازات دون غيرها من الطبقات، مقابل غياب الممارسات الحقيقية للشفافية والعدالة الاجتماعية، وعدم اتخاذ الإجراءات القانونية لوقف هذه الممارسات التي لها تأثيرات جلية على عدم تحقيق المعايير الدولية فيما يخص قضايا حقوق الإنسان. والجدير ذكره، أنه ومع القلق الخليجي الكبير من نتائج الاتفاق النووي وانعكاساته على الأوضاع في المنطقة، والذي عبَّر عنه وزير الخارجية القطري بأنه (أفضل الموجود بين الخيارات المطروحة)، مؤكداً من جانب آخر أهمية مناقشة رؤى التعاون الاستراتيجي المستقبلي بين دول مجلس التعاون والولايات المتحدة الأمريكية بعد التوقيع على الاتفاق، والعمل على تعزيز الثقة بين الجانبين في ظل الأوضاع الخطيرة التي تهدد منطقة الخليج العربي، تظل انشغالات الجانب الأمريكي تتركَّز على مكافحة الإرهاب، وخصوصاً القضاء على إرهاب تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، في تجاهل غير معروف الأسباب للمنظمات الإرهابية الأخرى كحزب الله - الذراع الإيرانية في المنطقة العربية - والذي أثبتت الأحداث دوره التخريبي في لبنان والعراق والبحرين واليمن والكويت، وكما سقط الأمر من يد دول مجلس التعاون في (قمة كامب ديفيد) التي عُقدت في مايو الماضي، يتكرر ذلك في (الحوار الاستراتيجي الخليجي الأمريكي) الذي عقد في الدوحة أوائل أغسطس الماضي، فلم تحصل فيه دول المجلس إلا على تطمينات شفهية بحماية أمن الخليج والإسراع في دراسة الطلبات الخليجية للأسلحة وبناء شبكة الصواريخ الباليستية، وهي الطلبات التي تواجه معارضة شديدة من قِبل المنظمات الأمريكية المعنية بحقوق الإنسان. وعليه، فإنني أعتقد أنه من الضروري جداً أن تبحث دول مجلس التعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية ما طالب به بعض وزراء خارجية دول المجلس في (الحوار الاستراتيجي الخليجي الأمريكي) حول ضرورة وجود التزام أمريكي (مكتوب) لحماية أمن دول مجلس التعاون من أية تهديدات واعتداءات خارجية متوقعة من قِبل إيران خصوصاً بعد توقيع الاتفاق النووي واللغط الذي صاحبه وانعكاساته سلباً على العلاقات الاستراتيجية والتاريخية بين الحلفاء القدامى والشراكة القائمة بينهما، وهو الأمر الذي أغضب وزير الخارجية الأمريكي جون كيري خلال المؤتمر. وقد تكون زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز الى واشنطن في الرابع من سبتمبر الجاري، فرصة تاريخية لتغيير الرؤية الامريكية لمستقبل الشرق الاوسط والخليج العربي وتوضيح الهواجس والمخاوف الخليجية للاثار التي سوف تترتب على الاتفاق النووي واهمية وجود (اتفاقية خليجية امريكية مشتركة) تثبت الوعود الامريكية المعلنة وتطمئن الجانب الخليجي على سيادته ودوره الاقليمي الرئيسي في المنطقة مع التزام خليجي بالتوجه التدريجي نحو تطوير مجتمعاتها وشعوبها بما يعزز مبادئ حقوق الانسان وحرية الرأي والتعبير والمشاركة الشعبية في الحكم والممارسة الديمقراطية الكاملة ومحاربة الفساد. المحلل السياسي للشؤون الإقليمية ومجلس التعاون
مشاركة :