عند التطرق إلى تنظيم الوقت اليومي قد يكون التعوّد هو الصفة المثالية لحل كل أزماتك المتعلقة بالجداول، والترتيبات الزمنية، وغيرها من الأمور التي يمكن ترتيبها وفقًا للأولويات. تعتمد النفس البشرية في المقام الأولعلى عدد من المؤثرات الخارجية التي يمكن للإنسان أن يستشعرها؛ والتي بدورها يمكن أن تساعده في التطور الذاتي، وسد حاجاته الأساسية من الأنظمة التي يود إدخالها في حياته، فضلًا عن السلوكيات اليومية التي يمكنه أن يتعامل بها مع الآخرين. ومع الكثير من تكرار الشيء ذاته يبدو للإنسان أن كل الأمور تسير في مسارها الصحيح، ولمَ لا ينطبق المبدأ نفسه على تنظيم الوقت اليومي في حياتك؟! فالمقصود أن الحل لارتباك جدول أعمالك يكمن في التعود على إدارة وقتك بطريقة جيدة.مفهوم التعود من الممكن أن يكون الإدمان المحبب أو ما يُسمّى “التعود على تنظيم الوقت اليومي” هو وسيلتك للخروج من الكثير من الأزمات التي يسببها الإهمال، أو التسويف، أو إهدار وقتك. ووفقًا لعلم النفس؛ فإن حالة التعوّد أو Habituation هي مثال على “التعلٌم غير التورُطي”؛ أي أنه لا توجد مكافأة أو عقوبة مرتبطة بالحافز الذي يدفعك إلى ممارسة الفعل أو الشعور بإحساس ما. هناك العديد من النظريات التي تشرح كيفية تعامل الإنسان مع التعوّد، لعل أهمها ما يتعلق بتنظيم الوقت اليومي؛ وهي نظرية العامل الواحد للتعاطي التي تشير إلى إمكانية التكرار المستمر للمحفز؛ ما يغير من فعالية الحافز نفسه. وبمعنى آخر: فإنك تتوقف عن الشكوى من الضجيج بمرور الوقت، أو مع “التعوّد” على الضوضاء. قد تبدو حالة من عدم المبالاة، أو التخلي عن كل شيء في سبيل الإحساس بالراحة النفسية، وقد تُفسر هذه الحالة بأنها فقدان الشغف. لكن الواقع غير كذلك؛ فكل ما حدث للإنسان في الحالة السابق ذكرها أنه “تعوّد” على المتغيرات من حوله؛ حتى فقد الحافز أهميته، ولم يعد بمثل قوة التأثير الأولى، بالمقارنة مع الأشياء الأكثر إلحاحًا التي تركز عليها انتباهك. وبتطبيق العملية هذه على تنظيم الوقت اليومي فهنا السؤال المؤكد هو: “هل يمكن التخلي عن الاستجابة تجاه المفاجآت والصدمات والمعطيات التي حولنا في سبيل إدارة الدقائق والساعات اليومية؟” قد تكون الإجابة داخل كل شخص وفقًا لقدرته على التعامل مع كل الأمور من حوله. إن الشخصية القوية التي تتحمّل الصعاب قد تكون الأوفر حظًا –رغم عدم اقتناعي بمسألة الحظ برمتها– للتحكم في انفعالاتها واستجابتها للأشياء المتغيرة من حولها، وقد يكون الأمر نوعًا آخر من التعوّد على القوة والثبات، أليس كذلك؟ تظهر الحاجة للتعوّد من داخل النفس البشرية التي تتأقلم بطرق غير عادية على الكثير من الأشياء، والأشخاص على حد سواء، علمًا بأن المناقشة التي طرحها العالم منذ القرن الماضي، لدراسة التعوّد وأساليبه اعتمدت على قياس استجابة الأفراد وردود أفعالهم تجاه العديد من المواقف. قد يكون الاعتياد هو شكل من أشكال التعلم بالفعل، وفيه تتناقص الاستجابة الفطرية للمنبهات بعد التعرض المطول أو المتكرر لها، بينما يمتلك الكثير من الخصائص التي تتمثل في: المدة، الشدة، التكرار، والتغيير.تنظيم الوقت اليومي لذا لمَ لا يكون تنظيم الوقت اليومي ما هو إلا وسيلة تعوّد؟! قد يكون الأمر كذلك؛ لكن بالنسبة للكثير من الأفراد الذين يسيرون بخطوات ثابتة من أجل تحقيق أهدافهم في فترة بعينها، يُعد تحكمًا و”أسلوب حياة”. إن نمط الحياة الخاص بهؤلاء الأشخاص لا يعتبر فريدًا من نوعه على الإطلاق؛ هم فقط قرروا معرفة أولوياتهم الضرورية، ووضع جداول زمنية وفقًا لها، دون الشعور بأي ذنب تجاه الأمور الأقل أهمية، مع التركيز على عدم تشتيت انتباههم. وبالتالي فإن البيئة التي يختارها الإنسان ليعيش فيها، وكيفية تعامله معها حسب مقدرته وقناعاته الشخصية لا تغدو سوى وسائل تساعده بالأخير في تنظيم الوقت اليومي الخاص به سواء في العمل أو في حياته الشخصية. وبالرغم من كل تلك الأمور الجيدة للغاية من ترتيب وإدارة وتخطيط للحياة، وتنظيم الوقت اليومي بشكل فعال، فإن البدايات دائمًا ما تكون الأصعب. على سبيل المثال: يجد هؤلاء الأشخاص أنفسهم في الأسبوع الأول من جدولهم لتنظيم الوقت اليومي أمام الكثير من الاختبارات؛ التي تضعهم وجهًا لوجه مع المخاطر، الأزمات، والطوارئ. وفي الوقت الذي يريدون فيه التحكم بالكامل وإدارة زمنهم بطريقتهم المحددة؛ فإنهم يتجهون إلى التعامل بحرفية للخروج من المآزق المتتالية، مع الشعور المستمر بالذنب بعد التخلي عن بعض الأمور التي كانت في الماضي القريب ذات أهمية قصوى؛ لكنها لم تعد كذلك وللأسف. وبمرور الأسابيع، يبدأون في اعتماد خطتهم لتنظيم الوقت اليومي بطريقة ناجحة؛ بل إنهم يعرفون كيفية قيادة كل شيء لما فيه مصلحة لهم؛ لكن لنتمهل قليلًا، أليس هذا نوعًا آخر من التعود؟ نمط حياة إن عملية التعود في التعامل مع الأزمات، والتعود على جدول تنظيم الوقت اليومي الجديد، إضافة إلى الاعتياد على بعض التغيرات الجديدة، وعدم الاستجابة لمحفزات كانت مؤثرة فيما قبل، والقرار بالاستجابة لغيرها في الوقت الحالي، لا يساهم في نجاح الخطة الشخصية للحياة فحسب، بل يحافظ على الالتزام بها أيضًا. وفي النهاية، قد تبدو كلمة “تعود” صعبة على الآذان؛ لكنها أيضًا تعتبر واقعًا للتغيير، الذي يفرض نفسه على الإنسان من فترة إلى أخرى؛ لكن لا هناك أسوأ من التعود على الروتين، وهو ما يقطع كل طرقك إلى بلوغ السعادة والنجاح والتطور؛ لكن التعود على تطوير الذات باستمرار هو أسلوب الحياة المفضل لدى الباحثين، والتجرد من الماضي، للمضي قدمًا نحو دروب جديدة هو الأضمن للاستمتاع بالحياة. اقرأ أيضًا: الإفراط في تنظيم الوقت.. جرس إنذار الإجازة السنوية في العمل.. فوائد صحية وزيادة إنتاج الموازنة بين الدراسة والعمل.. كيف تنظّم وقتك؟
مشاركة :