اليوميات أكبر من الكتابة إنها أسلوب حياة بقلم: عبدالمجيد دقنيش

  • 1/19/2018
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

اليوميات أكبر من الكتابة إنها أسلوب حياةاستطاعت جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة أن تشدّ إليها انتباه الكتّاب العرب وتثبت جدارتها ومكانتها بين الجوائز العربية رغم حداثة عهدها، وذلك من خلال نزاهتها وخصوصيتها وأهدافها النبيلة المتمثّلة في محاولتها النهوض بأدب الرحلةً وإعطائه المكانة والزخم الذي يستحقه. واستطاع الكاتب التونسي كمال الرياحي مؤخرا أن يثبت جدارته وأحقيته في الفوز بهذه الجائزة في فرع اليوميات بكتابه “واحد صفر للقتيل”. “العرب” كان لها هذا الحوار مع الكاتب.العرب عبدالمجيد دقنيش [نُشر في 2018/01/19، العدد: 10874، ص(15)]الجوائز أضرت بالأدب العربي يركز الكاتب كمال الرياحي في الفترة الأخيرة ويراهن في مشروعه الإبداعي على فن اليوميات والسيرة الذاتية، علاوة على مشروعه الروائي، حيث أصدر ثلاث روايات هي “المشرط” و”الغوريلا” و”عشيقات النذل”، بالإضافة إلى كونه مدرب ورشات دولية وصاحب مشروع الورشة الأدبية “بيت الخيال”. اليوميات الأدبية حول فوزه بجائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة في فرع اليوميات، عن كتابه “واحد صفر للقتيل” يقول كمال الرياحي “أولا، الفوز بجائزة ابن بطوطة في هذا الصنف تحديدا وهو اليوميات، هذا الصنف من الكتابة النادر عربيا لا يمكن إلا أن يكون مبهجا. خاصة أنني مهتم بهذا النوع كتابة ونقدا وحتى مشروعا في الورشة التي أديرها في بيت الخيال، الذي خصّصته هذا العام لليوميات. وقد بدأ اهتمامي باليوميات منذ 2005 وقد شرعت في محاورة المنظر العالمي الأول للسيرة الذاتية واليوميات الفرنسي فيليب لوجون. وقد أثمر كتابي ‘هكذا تحدث فيليب لوجون”.موجة من الترهل والتنميط مرت بها أغلب المسابقات الأدبية والروائية في العالم العربي والتي تؤسس لثقافة الشللية يضيف “أما بخصوص الجوائز فحتى هذا المصنف يأتي خارج انتظارات ماكينة الجوائز ومتطلباتها، وببساطة ربما هذه الجائزة هي التي كانت مختلفة لأنها راهنت على المختلف وعلى جهاز تنظيمي مختص من سنوات ومنشغل بهذا الأدب، أقصد أدب الرحلة بكل أشكاله. ولم يسبق أن شُكك فيها أصلا. ونقدي للجوائز وقتها جاء في سياق موجة من الترهل والتنميط مرت بها المسابقات الأدبية والروائية تحديدا في العالم العربي والتي تستعين بأشباه الخبراء وتؤسس لثقافة الشللية التي أضرّت بالأدب العربي”. عن أهمية وإضافات هذه الجائزة وأي جائزة في مسيرته الإبداعية ومسيرة أي كاتب بصفة عامة، يقرّ الرياحي بأن الجوائز المهمة هي التي تأتي تتويجا لجهد وإبداع حقيقيين، أما التي تُعطى لأسباب أخرى سياسية أو أيديولوجية أو إخوانية لا يمكن إلا أن تصنع فقاعة سريعا ما تنفجر، ولا تخلّف شيئا غير النسيان التي هي جديرة به. أما الجوائز التي تقدّم لمستحقيها فهي تؤكد أن هؤلاء سيتقدمون بتجاربهم وما هي في نهاية الأمر إلا لحظة رضاء على النفس ليست إلا لمواصلة مسار الكتابة الشاق. نتطرّق للحديث مع ضيفنا حول مراهنته على جنس اليوميات رغم أنه معروف كروائي ليعلّق “قلت سابقا إنني منشغل بهذه الأنواع الحافة بالرواية من تخييل ذاتي وسير ذاتية ويوميات ومذكرات ورواية سير ذاتية وكل ما يندرج تحت الأدب الذاتي أو الكتابة الأوتوبيوغرافية. وتركيزي على اليوميات هذه السنوات نابع من ندرة هذا النوع وندرة الكتابات النقدية حوله. وأحسب هذا النوع مازال مجهولا في العالم العربي وأسعى إلى تقديم كتاب نقدي حوله أيضا، وأعتبر أن هذا النوع من الكتابة يمكن أن يمارسه أي شخص بقطع النظر كان أدبيا أم لم يكن”. يتابع الكاتب “بطبيعة الحال في هذا النوع الأدبي سينقل الكاتب المبدع إلى مستوى أرقى من الجمالية. ولا ننسى أن اليوميات فنّ خطير لارتباطه بالتاريخ الذاتي والجمعي وبالسياسي أيضا ولعل أفضل مثال على خطورة اليوميات هي يوميات ‘أنا فرانك’ التي تعتبر المرجع الأساسي للأساطير اليهودية وقضية المحرقة. وفي المقابل يمكن لليوميات العربية أن تكون وثائق تاريخية وسياسية على أزمنة الاستبداد أو الانتهاكات سواء كانت تحت الاستعمار أو في ظل حكومات الاستبداد إلى جانب دورها النفسي للذات الكاتبة. وتكشف يوميات كثير من الكتّاب في العالم عالمهم الإبداعي وتفضح مطبخ نصوصهم ومراحلها الجنينية”. يتناول مخطوط “واحد صفر للقتيل” اليوميات التي كتبها الرياحي بين سنتي 2009 و2010 خلال إقامته في الجزائر، حيث يرى الكاتب أن هذا الكتاب المتوّج بجائزة ابن بطوطة صحيح أنّ يومياته بالجزائر ولكنه أشمل من هذا بكثير، يقول إنه عمل إبداعي بالأساس ضمن هذا الجنس الأدبي. وهو يوميات الشعوب العربية التي كانت تتناحر في تلك الفترة العصبية ما قبل الانتفاضات وتلاعب السلطة بها.مغامرة إبداعية الكتاب، كما يقول مؤلفه، مغامرة إبداعية في الشكل والتجريب الأدبي تنصهر فيه السيرة الذاتية والمذكرات والتخييل والكوابيس لتكتب يوميات كاتب يعي جيدا حدود الجنس الأدبي وإمكاناته. أسلوب حياة نسأل الرياحي عن الفرق بين كتابة الرواية وكتابة السيرة الذاتية والمذكرات وكتابة اليوميات، ليجيبنا بأنه ما من فرق كبير، قائلا “الكتابة هي الكتابة، الفروق بينها شكلية ولكن المتعة والإبداع يمكن أن تجده في كل هذه الأجناس بنفس القدر. المهم أن يكون العمل أصيلا. والحق أن سؤالك أيضا يتطلّب إجابات بكتب كثيرة هي كل الكتب التي ألفت في السيرة الذاتية وفي اليوميات. ولكن اليوميات باتت أسلوب حياة وأكبر بكثير من الكتابة نفسها فليس صاحب اليوميات مضطرا للكتابة أصلا إنها باتت مع منظرها الأول فيليب لوجون مجرد سلسلة من الآثار المؤرخة. وهذه الآثار يمكن أن تكون كتابة أو ثورة أو أعمالا تشكيلية أو غيرها، وكاتب اليوميات كائن انضباطي بفعل الإنجاز اليومي وليس معنيّا بحبكة معيّنة ولا بموضوع بعينه، إنه حرّ تماما وهذه الحرية مأزقه لأنه من ناحية حر ولكن حريته ستواجهه بالمتلقي الذي ينتظر منه إدهاشا ما، لا يشير إليه بعينه إن شكلا أو تيمة. يطالبه بصدق بليغ أكبر من الصدق الأخلاقي. صدق فني غير استعراضي، صديق حميم”. يستعمل كمال الرياحي ويوظف الكوميديا السوداء في كتاب “واحد صفر للقتيل”، محاولا المزاوجة بين الأسلوب الروائي وأسلوب كتابة اليوميات، يقول حول ذلك “كتبت ‘واحد صفر للقتيل’ بلحمي ومشاعري قبل أن أكتبه بأساليب فنية أستعرض فيها قدراتي السردية، كنت أتداعي في اعترافات شديدة الخطورة أحيانا والجرأة، كنت أواجه مصيري الغامض أيامها بشكل انتحاري، كنت أسحل فوق تلك الأوراق جسدي مهربا إياه من تجربة بدت لي فاشلة هي الهجرة بعد أن هربته من تونس، أي أنني وجدتني أخيرا قد هربت نفسي على الكتابة لا غير، الكتابة في بيت قيل لي إن هناك من قتل به من سنوات فوجدت نفسي أعيش معه ولم أعد أفرّق بينه وبيني وأصبحت أشاطره طعامي وملبسي وحتى أحلامي وكوابيسي”. إن حياتي بطبعها روائية لا تحتاج لأختار أسلوبا، فالأسلوب هو الرجل بالمعنى الحرفي هنا. كنت الأسلوب ولم أبحث عنه. كانت مقابلة دموية بيني وبين العالم خسرت فيه الكثير ولا أدري ما ربحت، وعدت بشخص لا أدري إن كان أنا أم ذلك القتيل.

مشاركة :